رئيس التحرير: حسام حسين لبش
مدير التحرير: علي عجمي

تصاعد تهديد «التزييف العميق» مع تطور الذكاء الاصطناعي

شارك

يصنع الذكاء الاصطناعي اليوم واقعا رقميا زائفًا يشبه الحقيقة، يتمثل في صور وأصوات ومشاهد مصطنعة بدقة متناهية تجعل من الصعب التمييز بينها وبين الأصل.

تطور ظاهرة التزييف العميق وأخطاره

بدأت ظاهرة التزييف العميق منذ أكثر من خمس سنوات، مع انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT وGemini، وتطورت لتصبح قادرة على إنتاج محتوى مرئي وصوتي يبدو حقيقياً للغاية، يتضمن إنشاء مشاهد كاملة لشخص غير موجود أو تركيب أصوات غير حقيقية. تتيح هذه التقنيات توليد فيديوهات وشهادات مزورة يصعب كشفها، مما يُعقد مهمة جهات التحقيق ويتطلب أدوات وتقنيات حديثة للتحليل والتدقيق.

تهديدات وتأثيرات على المجتمع والأمن

يُهدد التزييف العميق أمن المجتمع وثقته في مصادر المعلومات، ويُستخدم أحياناً في عمليات احتيال مثل تزوير أصوات موظفي البنوك أو الشخصيات العامة، مما يعرض الأفراد والمؤسسات لمخاطر أمنية وخسائر مالية. ويزداد الخطر عند استخدام المقاطع المزورة في تحريض الرأي أو تدمير سمعة شخص أو جهة، خاصة في ظروف تتطلب مصداقية عالية مثل الحملات الانتخابية والأزمات.

ضرورة تنظيم ومكافحة التزييف العميق

يطالب خبراء وقانونيون بوضع ميثاق أخلاقي عربي يُحدد الحدود الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي ويضمن حماية الخصوصية والثوابت الثقافية، خاصة في ظل غياب منظومة محلية للتحقق من صحة المحتوى المنتشر. ويُشدد على ضرورة إنشاء وحدات قضائية متخصصة يتعاون فيها قضاة وخبراء تقنيون لفهم أبعاد التهديدات الرقمية، وتطبيق قوانين صارمة تحظر وتجرم استخدام التقنيات في عمليات التزييف والاحتيال.

تطوير التشريعات والأدوات التقنية

تؤكد جهات الاختصاص أن القانون يجب أن يُحدث فصلاً واضحًا بين الاستخدام المسؤول والإجرامي للذكاء الاصطناعي، مع تحديد مسؤولية المطور والمستخدم، ووضع علامات رقمية مائية على المحتوى المولد رقمياً لتتبعه لاحقًا. كما يُقترح إنشاء معامل وطنية وشروط لوسم المحتوى الرقمي، وتنفيذ برامج تدريب وتوعية لخبراء الأدلة الرقمية، لضمان كشف المحتوى المزيف بسرعة وفعالية.

دور التكنولوجيا والمبادرات الوقائية

توفر المختبرات في الإمارات، مثل شرطة أبوظبي ودبي، تقنيات حديثة لفحص والتحقق من صحة المقاطع والصور والتعرف على الثغرات في المحتوى المزور، وتُمارس جهود مكثفة لمواكبة التطور التقني والعمل على مدار الساعة لضمان أمان المجتمع. وكذلك تبرز الحاجة لتطوير أدوات الأكثر فاعلية، وتعزيز إطار قانوني يواكب استخدامات وأخطار التزييف العميق.

الإجراءات القانونية والتوعية المجتمعية

أُصدرت قوانين مثل قانون الأمن السيبراني لحظر التزييف الاحتيالي، وتُعد مكافحة التزييف العميق جزءًا من جهود الإمارات في تعزيز أمن المعلومات، مع ضرورة تحديث التشريعات وتوسيعها لتشمل جميع الأدوات والتقنيات. ويُفترض أن تتضمن الإجراءات نشر برامج توعية للمجتمع، وتطوير مدونات سلوك رقمية لضبط الاستخدام، فضلاً عن إنشاء لجان وطنية تتابع التطور التكنولوجي وتقدم التوصيات اللازمة.

أهمية التعليم والأخلاقيات في مواجهة التزييف

يدعو الخبراء إلى إدراج الذكاء الاصطناعي ضمن المناهج التعليمية، مع التركيز على الجانب الأخلاقي، لضمان فهم الطلبة لمخاطر الاستخدام غير المسؤول. ويُقترح تطوير برامج توعوية وتدريب متواصل للكادر التعليمي والخبراء، لدعم الكشف المبكر عن التزييف ووقف انتشاره، مع وضع قواعد صارمة للاستخدام داخل المدارس لمنع التحايل والغش الإلكتروني.

المسؤولية الجماعية والتحديات المستمرة

تبقى المواجهة بين من يطور أدوات التزييف بهدف الإضرار، ومن يبتكر الحلول للكشف عنها، في ظل حاجة ماسة إلى قوانين وأجهزة رقابية فعالة. تواصل الدول خاصة الإمارات، استثمارها في نظم الكشف الذكي، وتدريب الكوادر، وتحديث التشريعات، للحد من تداعيات هذه الظاهرة، لكن التحدي يظل قائماً حتى نصل إلى الحماية الشاملة من مخاطر التزييف العميق.

مقالات ذات صلة