لم تكن هبة حيدري يوماً مجرد مذيعة تتلو الأخبار بوجه رصين وصوت واثق. كانت ولا تزال صوتًا يحمل وجدانًا، وصورةً تعكس ما هو أبعد من الشاشة. اختارت الخروج من منطقة الراحة، وغامرت لتمنح ذاتها ومسيرتها الإعلامية مساحةً أرحب. في هذا الحوار، نغوص في دواخلها، لنكشف عن لحظات الحسم، والتردّد، والصمت، والصدق… بلغة لا تشبه سوى هبة.
1. ما هو الشعور الحقيقي الذي خالجكِ لحظة اتخاذ قرار مغادرة MBC؟ هل كان خوفاً أم حسماً؟
كان مزيجًا بين الخوف والحسم. فمن الطبيعي أن يخاف الإنسان عند مغادرته مكانًا كبيرًا ومستقرًّا، لكنّ القرار لم يكن عشوائيًّا. وصلت إلى مرحلة شعرت فيها أنّني بحاجة إلى الانتقال نحو تجربة جديدة، تمنح صوتي حرّيته. نعم، كان هناك توتر… لكنّ القناعة كانت أعمق من كلّ مخاوفي.
2. هل كان الانتقال إلى قناة ناشئة كـ “المشهد” مغامرة محسوبة، أم قفزة دون مظلّة؟
كانت مغامرة محسوبة، ولكنها لم تخلُ من المجازفة. راهنت على مساحة حرّة، وتجربة تعبّر عني وتطوّرني، رغم أنني لم أكن أعلم على وجه الدقة شكل الأرض التي سأحطّ عليها… لكنني كنت على يقين بأنني على استعداد لتحمّل نتائج النزول.
3. لو عاد بكِ الزمن، هل كنتِ لتبقين في القناة الكبرى، أم تكررين المغامرة؟
كنت سأختار الطريق ذاته. التجربة كانت غنية بالمعاني والدروس، وأضاءت لي زوايا في شخصيّتي لم أكن أدركها من قبل.
4. هل تعني لكِ الشهرة سلطة أم مسؤولية؟
مسؤولية. فالكلمة لها أثر، وظهورك على الشاشة يعني أنّ هناك من يستمع إليك ويتأثّر بك، وهذا بحدّ ذاته يحمّلك مسؤولية كبيرة تجاه ما تقول.
5. هل خدمكِ الجمال أكثر أم قيّدكِ في الإعلام؟
ربّما خدم الصورة، لكنه أحيانًا كان عائقًا أمام وصول المضمون. التحدّي الحقيقي كان في أن أُسمِع صوتي قبل أن تُرى ملامحي.
6. برأيك، هل الإعلام العربي منصف مع المرأة الجريئة؟
ليس دائمًا. هناك إعجاب بالشجاعة، لكن هناك محاسبة أيضًا. فالمرأة الجريئة تدفع ثمن مواقفها، خاصة إن خرجت عن المألوف.
7. كيف تختارين ضيوف برامجك؟ وهل تبحثين عن الصدام أم عن الصدق؟
أبحث عن الصدق. إن جاء الصدام نتيجة صدق، فهو حوار حقيقي. لكن إن كان التصادم مجرّد وسيلة لإثارة الانتباه… فلا يشبهني.
8. في حواراتك، من يُصغي أكثر: الضيف أم أنتِ؟
أنا. لأن دوري لا يقتصر على طرح الأسئلة، بل أن ألتقط ما بين السطور. أحيانًا، يأتي الجواب الحقيقي من تردّد بسيط أو لحظة صمت. الإصغاء بالنسبة لي ليس مجاملة… بل مسؤولية.
9. ما أصعب سؤال وُجّه إليك ولم تتمكني من الإجابة عليه؟
“ماذا تريدين فعلًا؟”… سؤال بسيط في الظاهر، لكن جوابه متغير، ويتأثر بالزمان والمكان والمزاج. وربّما لأننا في بعض الأحيان لا نمتلك الجرأة للاعتراف بأمنياتنا.
10. هل أنتِ مشغوفة بالحقيقة، أم بلحظة انكشاف الضيف؟
الحقيقة مهمة، لكنها ليست هدفي الأوحد. أنا أبحث عن لحظة الصدق… تلك اللحظة التي يتوقف فيها الضيف عن التمثيل، ويصبح إنسانًا أمامي. عندها، حتى وإن لم يقل كل شيء… أراه في عينيه.
11. كيف تصفين الفرق بين صوتك في نشرة الأخبار وصوتك في بودكاست “منا وفينا”؟
في النشرة، صوتي مهنيّ مضبوط، يحمل رسالةً رسمية، ويخضع لضوابط صارمة. أما في البودكاست، فصوتي حرّ، أدفأ، وفيه مساحة أوسع للتعبير عن ذاتي ومشاعري. هناك، أكون أقرب إلى الإنسان لا المذيعة.
12. هل منحكِ البودكاست مساحةً لتقولي ما لم يكن مسموحًا في النشرة؟
نعم، دون شك. لكل منبر لغته وحدوده. وإن كانت لدي بعض المساحات الإنسانية على شاشة MBC، خصوصًا في التغطيات والمناسبات، إلا أن البودكاست كان فسحة مختلفة، سمح لي بأن أتكلم بلغة القلب.
13. هل تخلّت هبة حيدري عن مذيعة الأخبار أم أعادت تعريفها؟
لم أتخلّ عنها… بل سمحت لها أن تتنفس، أن تتحرّر، وأن تتكلّم بلغة أقرب إلى الروح.
14. ما الشيء الذي لم تقوليه بعد، وتخشين أن يكون الوقت قد تأخر؟
نحرص دومًا على أن نظهر أقوياء… لكن هناك لحظات يتعيّن علينا أن نعترف بالتعب، أن نقول ببساطة: “أنا متعبة”.
15. في حياتك الخاصة، من الشخص الذي يشبه أسئلتك: صادق، مفاجئ، ويعرف كيف يلمسك من الداخل؟
أمي… بكل ما تحمله من دفء وصدق ودهشة.
16. لو أجريتِ بودكاست مع “هبة الصغيرة” بعمر العاشرة، ما أول سؤال كنتِ ستوجّهينه لها؟
“بماذا تشعرين؟”… لأنني في ذلك العمر كنت أعيش مشاعري بصمت، وربما كنت بحاجة إلى من يسألني بصدق.
17. لو لم تكوني إعلامية، في أي مجال كنتِ ترين نفسك؟
ربما كنت طبيبة أطفال، أو معالجة نفسية. لدي شغف بالاستماع للناس، وفهم مشاعرهم، وترجمتها بكلمات بسيطة وقريبة.
18. ما الشيء البسيط الذي يرسم الابتسامة على وجهك رغم الضغوط؟
وجه أمي في الصباح… أشعة الشمس… ممارسة الرياضة… ورؤية البحر. تلك التفاصيل البسيطة تمنحني أملًا متجددًا كل يوم.