تتحول واحات الإمارات في فصل الصيف إلى منصات حيوية تحتفي بالنخلة المباركة وثمارها الطيبة من خلال مهرجانات الرطب التي تتجاوز كونها فعاليات زراعية. فهي تجسد رؤية وطنية عميقة وضع الأسس لها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي آمن بأهمية زراعة النخيل كرمز للكرامة والعطاء.
تعد شجرة النخيل رمزاً للخير والثبات في وجدان الإمارات، فهي ليست مجرد نبات، بل جزء أساسي من الهوية، وركن من أركان استقرار المجتمع، وسند للمزارعين، ووسيلة لتحقيق الأمن الغذائي، ومصدر فخر اقتصادي. أدرك الشيخ زايد مبكراً قيمة النخيل، فغرس حب الأرض في قلوب الناس، وجعل من زراعة النخيل مشروعاً حضارياً يمتد جذوره العميقة في التراث ويتطلع نحو المستقبل.
تواصل دولة الإمارات إرث النخيل من خلال مهرجانات الرطب
تنظم الإمارات حالياً ثلاثة مهرجانات كبيرة في توقيت واحد، وهي مهرجان ليوا للرطب الذي أُقيمت فعاليات نسخته الـ 21 الأسبوع الماضي، ومهرجان الذيد للرطب الذي افتتح قبل أيام، ومهرجان دبي للرطب الذي يُحتفى بنسخته الثانية اليوم. تتوقع الجهات المنظمة أن تجذب هذه المهرجانات مئات الآلاف من الزوار من داخل الدولة وخارجها، مما يعكس أهمية الحدث العالمي.
لا تقتصر فعاليات المهرجانات على احتفال الرطب فحسب، إذ توفر دعماً اقتصادياً مباشراً للمزارعين، وتُتيح فرصاً لتصريف الإنتاج وإبرام الصفقات التجارية، إلى جانب الجوائز والمسابقات التي تعزز روح التنافسية والإبداع في المجال الزراعي. كما تعتبر منصات علمية تسهم في تطوير المهارات والمعرفة من خلال ورش عمل وبرامج تثقيفية.
مكانة النخيل في سجل الإمارات العالمي
تعد الإمارات من أكثر الدول اهتماماً بزراعة النخيل، حيث أدخلت موسوعة “غينيس” في عام 2009 أكثر من 40 مليون نخلة، كما احتلت المركز الثالث عالمياً في تصدير التمور عام 2021 بإجمالي صادرات بلغ 261 ألف طن بقيمة تقارب المليار درهم. ويُعتبر التمر عنصراً استراتيجياً من سلة الأمن الغذائي الوطني، إذ يصنف ضمن 18 صنفاً رئيسياً حسب الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي حتى عام 2051.
تأثير المهرجانات على السياحة والتنمية
لا تقتصر فوائد مهرجانات الرطب على الجانب الزراعي والاقتصادي فحسب، بل تمتد لتعزيز القطاع السياحي. إذ حولت هذه الفعاليات إلى وجهات تجتذب الزوار الباحثين عن تجارب أصيلة تعبق بتراث البلاد، كما حدث خلال مهرجان ليوا الذي استقطب أكثر من 50 ألف زائر في خمسة أيام فقط.
وفي كل نخلة عالية وثمرة رطب لذيذة، تحكي الإمارات قصة وطن يُؤمن بأن الزراعة جزء من حضارة المجتمع، وحفاظها على التراث هو استثمار في الهوية الوطنية. لم تعد مهرجانات الرطب فعاليات موسمية فحسب، بل أصبحت أعياداً وطنية تحتفي بالنخلة، وتكرم من غرسها، وتحفز من يعتني بها لبناء مستقبل مزدهر في مختلف القطاعات.