يبدأ فهم وهم العظمة باكتشاف أن الغرور قد لا يكون مجرد تصرف سطحي نابع من التكبر، بل هو في بعض الأحيان عرض نفسي معقد يخفي خلفه اضطرابًا نفسيًا أعمق يُعرف بوهم العظمة. يتمثل هذا الاضطراب في اعتقاد راسخ وغير منطقي بأن الشخص يتمتع بصفات خارقة أو بمكانة عالية لا يملكها في الواقع، رغم عدم وجود أدلة تدعم ذلك.
طبيعة وهم العظمة
لا يُعتبر وهم العظمة حالة منفردة غالبًا، إذ يظهر غالبًا كمظهر من أعراض أمراض ذهانية مثل الفصام أو الاضطراب ثنائي القطب، وأحيانًا يتكرر ضمن اضطرابات الشخصية أو بسبب تعاطي بعض المواد المسببة لذلك. يجعل الوهم صاحبه يعتقد أنه شخصية استثنائية يتملك قدرات فريدة، أو يظن أن لديه مهمة عالمية خاصة لا يشاركها أحد آخر.
أنماط هذا الاضطراب
تتباين الصور التي يأخذها هذا الاضطراب، فقد يظن الشخص أنه يمتلك قوى خارقة كالرؤية المستقبلية أو القدرة على الشفاء، أو يعتقد أنه شخصية تاريخية عائدة، أو أن له نفوذ عالمي سري. البعض يعتقد أنه منقذ للبشرية أو مختار من قبل قوة عليا، بينما الآخرين يرونه لا يُهزم أو يتعرض للأذى بسهولة.
أعراض ومظاهر وهم العظمة
يعبر الأشخاص المصابون عن سلوكيات غير طبيعية، تتكرر في تمسكهم القوي بمعتقداتهم غير المنطقية، وتجاهل الأدلة التي تظهر خطأ ما يعتقدونه. يمكن أن يظهر لديهم ميول للسيطرة، ومشاعر مبالغ بها للقوة، أو يتجنبون الحصول على مساعدة خوفًا من أن يعد ذلك اعترافًا بضعفهم. كما يعانون من صعوبة في الحفاظ على علاقات اجتماعية سليمة نتيجة اعتقاداتهم المتضخمة بأنفسهم.
مؤشرات واضحة على وجود وهم العظمة
تشمل العلامات ضعف القدرة على النقاش قناعة ثابتة بمعتقدات غير قابلة للتغيير، بالإضافة إلى تمسكهم بفكر يتجاهل أي أدلة عكسية. غالبًا ما يظهر عليهم سلوك التحكم، ومشاعر غير واقعية حول قدراتهم، وميل واضح لعدم تقبل المساعدة، مما يخلق مشاكل في علاقاتهم الاجتماعية والعائلية.
عوامل مسببّة لهذا الاضطراب
لا يوجد سبب واحد معروف يؤدي إلى ظهور وهم العظمة، لكنه غالبًا مرتبط بعوامل متعددة، منها وجود تاريخ عائلي من اضطرابات عقلية، أو خلل في كيمياء الدماغ خاصة في إفرازات مادة الدوبامين. كما أن الصدمات النفسية العنيفة، أو الإهمال العاطفي، أو الإصابات الدماغية، أو بعض الأدوية تؤثر على تطور هذا الاضطراب. بالإضافة إلى ذلك، اضطرابات الشخصية مثل النرجسية تلعب دورًا هامًا في ظهوره.
طرق التشخيص والعلاج
يتم تشخيص وهم العظمة عبر جلسات نفسية يدرس فيها الطبيب نمط التفكير والسلوك، ويعتمد العلاج على أدوية مضادة للذهان، وأحيانًا يلزم العلاج النفسي السلوكي المعرفي لمساعدة المريض على إعادة تقييم معتقداته والتخلص من الأفكار غير الواقعية. في الحالات الشديدة، قد يتطلب العلاج إشرافًا طبيًا مباشرًا لضمان استقرار الحالة. ويجب أن يكون العلاج تدريجيًا ويهدف إلى بناء الثقة بين الطبيب والمريض.
الوقاية والتقليل من أثر الوهم
رغم عدم إمكانية منع الاضطراب بشكل كامل، فإن الكشف المبكر والعلاج المستمر يساهمان في تقليل خطورة تدهور الحالة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدعم الأسري وبيئة داعمة تساعد بشكل كبير في الحد من تطور الأوهام وتفاقم الأعراض، وتوفير بيئة مستقرة ومليئة بالدعم النفسي يقلل من تأثيرات هذا الاضطراب على حياة المريض.
الفرق بين الوهم والواقع
وهم العظمة ليس مجرد حالة من الثقة الزائدة أو الغرور، بل هو خلل نفسي يتطلب فهما عميقًا وتدخل علاج مهني متخصص. إن التقدير الحقيقي للذات ينبع من توازن داخلي ورؤية واقعية، لا من أوهام وخيالات مضخمة لذاتٍ لا أساس لها.