تبدأ بوضح أن ظاهرة بادر-ماينهوف، المعروفة أيضًا بوهم التردد، ترتبط بانحياز معرفي يجعل شيئًا معينًا يظهر بشكل متكرر أمامك بعد ملاحظته لأول مرة. هذا الشعور ناتج عن انتباهك الانتقائي والانحياز التأكيدي، حيث يوجه دماغك تركيزه بشكل أكبر نحو المعلومات التي تلفت انتباهك، ثم يعزز من ظهورها بشكل أكبر في وعيك. فمثلاً، إذا لاحظت سيارة محددة، ستجعل دماغك تلاحظها أكثر في الشوارع، بشكل يعطي انطباعًا بأنها أكثر انتشارًا، رغم أن الأمر لا يتعدى التصور الذهني المرتبط بزيادة وعيك به.
يشير علماء النفس إلى أن هذه الظاهرة لا تعكس بالضرورة زيادة حقيقة في وجود الشيء المحدد، بل هي نتيجة تصفية دماغك للمعلومات، إذ يختار الانتباه للأشياء ذات الصلة بمعتقداتك أو اهتماماتك الحالية. عندما تكرر ملاحظتك لشيء معين، يبرمج دماغك على رؤيته بشكل أكثر تكرارًا، مما يجعله يبدوا أكثر انتشارًا، بينما هو في الواقع ليس كذلك. يطلق على هذه الحالة اسم “وهم التردد” لأنها تعتمد على أن دماغك يعزز من مدى ظهور الشيء وليس على وجوده الفعلي بكثرة.
كيف تحدث ظاهرة بادر-ماينهوف؟
يحدث ذلك نتيجة لعمل عمليتين ذهنيتين رئيسيتين، وهما الانتباه الانتقائي وانحياز التأكيدي. فهناك قدرة طبيعية في العقل على اختيار ما يركز عليه من بين كم هائل من المعلومات، بهدف تصفية وفهم الأمور، وهو ما يُعرف بالانتباه الانتقائي. أما انحياز التأكيدي فهو ميلنا للبحث عن المعلومات التي تؤكد معتقداتنا الحالية وتصديقها، مما يعزز تصورنا لانتشار الشيء بشكل أكبر مما هو حقيقي. عندما تلاحظ شيئًا وتبدأ في توثيقه في ذهنك، فإن ذلك يعزز من اعتقادك بانتشاره وعدم وجوده بشكل كبير في الواقع.
فوائد وفوائد الإدراك
رغم أن فهم ظاهرة بادر-ماينهوف قد يظهر كتشوه معرفي، فهي تساعد على إظهار كيفية عمل الدماغ وتصفيته للمعلومات بشكل يسرع عملية الفهم، ويقلل من إرهاق الإدراك. كما أنها تُظهر أن تصورنا للعالم ليس دائمًا موضوعيًا، إذ يركز الدماغ على ما يراه مهمًا، وبهذا يمكن أن يقودنا ذلك لتجاهل بعض المعلومات أو تحريفها. يمكن أن تؤدي هذه الظاهرة إلى تعزيز الصور النمطية، لأن اهتمامنا بمعلومات معينة يجعلها تبدو أكثر انتشارًا، مما يؤثر على آرائنا، ويشجع على التفكير بطريقة نمطية أو منحازة تجاه موضوع معين، خاصة عندما نواصل رؤية أمثلة تدعم أفكارنا السابقة.
هل يمكن السيطرة عليها أو الحد من تأثيرها؟
تعلم أن ظاهرة بادر-ماينهوف جزء من طبيعة عمل الدماغ، فلا يوجد طريقة كاملة لمنعها، لكنها ليست دائمًا سلبية. فهي قد تساعد في تحسين التركيز، والملاحظة، والتعلم في مجالات معينة، كالطب أو البحث العلمي، حيث تساهم في التعرف على أعراض نادرة أو أنماط غير واضحة. ولتقليل تأثيرها، ينبغي أن تكون واعيًا لوقت حدوثها، فتساؤل نفسك عن سبب ملاحظة شيء معين بكثرة، وارتباط ذلك بتكراره، يساعد على فهم الأمر وتخفيف تأثيره. كما أن الحفاظ على عقل منفتح وتجنب الاعتماد على مصدر واحد فقط للمعلومات، يُتيح لك رؤية الأمور من زوايا مختلفة، مما يحد من تكوّن تصورات نمطية ويقلل من تأثير التكرار في تشكيل اعتقاداتك.
كما يُنصح بالتحقق من صحة المعلومات عبر البحث عن مصادر متعددة وموثوقة، وعدم الاعتماد على خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي التي قد تكرر المحتوى ذاته، مما يضخم الشعور بانتشاره. إن تدقيق المعلومات والبحث المستمر يُساعد على مقاومة وهم التردد، ويُعزز من صحة تصورك للعالم بشكل أكثر موضوعية وواقعية.