رئيس التحرير: حسام حسين لبش
مدير التحرير: علي عجمي

رؤية نفس الشيء فجأة في كل مكان.. استكشاف ظاهرة “بادر ماينهوف”

شارك

يفكر الكثير من الناس أحيانًا في شيء معين ويبدأ في ملاحظته بشكل متكرر بعد ذلك، مثل أن يرغب في شراء سيارة معينة ثم يلاحظها بكثرة في الشوارع. هذه الظاهرة ليست ناتجة عن زيادة حقيقية في وجود الشيء، بل مرتبطة بكيفية عمل عقلنا. تُعرف هذه الظاهرة باسم “ظاهرة بادر-ماينهوف”، وتشير إلى انحياز معرفي يجعل الدماغ يركز على معلومات جديدة ويركز عليها أكثر بعد ملاحظتها للمرة الأولى. ترتبط هذه الظاهرة بانتباهنا الانتقائي وانحيازنا لتأكيد المعلومات التي تتوافق مع معتقداتنا، مما يجعلنا نراها أكثر انتشارًا مما هي عليه في الواقع.

ما هي ظاهرة بادر-ماينهوف؟

تتمثل ظاهرة بادر-ماينهوف في أن ترى شيئًا معينًا بشكل متكرر بعد أن لاحظته لأول مرة، ويبدأ عقلك في التأكد من أنه حدث بشكل متكرر. على سبيل المثال، قد تسمع كلمة أو أغنية تعجبك، ثم تلاحظها تتردد في كل مكان حولك، مما يجعلك تظن أن الأمر متكرر جدًا. لكن الحقيقة أن عقلك أصبح أكثر وعيًا به، وليس أن الشيء أصبح أكثر شيوعًا. يطلق علماء النفس على ذلك “وهم التردد”، وهو ناتج عن زيادة وعيك بالمحفز بعد الانتباه إليه.

كيف تحدث الظاهرة؟

تحدث هذه الظاهرة بسبب كيفية تصفية الدماغ للمعلومات، حيث يعتمد على عمليتين عقلتين رئيسيتين، وهما الانتباه الانتقائي والانحياز التأكيدي. الانتباه الانتقائي يمنح الدماغ القدرة على ملاحظة بعض الأشياء ونسيان أخرى، وذلك ضروري لأنه يتعامل مع حجم هائل من المعلومات لا يمكن معالجتها جميعًا. أما الانحياز التأكيدي، فيدفعنا إلى البحث عن معلومات تؤكد معتقداتنا الحالية وتصديقها، مما يعزز من ظهور الشيء بشكل متكرر في ذهننا. نتيجة لذلك، نعتبر أن الشيء أكثر انتشارًا، رغم أنه في الحقيقة ليس كذلك.

أهمية فهم الظاهرة ومدى تأثيرها

الوعي بظاهرة بادر-ماينهوف يُظهِر لنا أن إدراكنا للأحداث والعالم ليس دائمًا موضوعيًا، بل يتأثر بعملية تصفية المعلومات التي يقوم بها الدماغ. تساعد هذه الظاهرة على فهم كيف تتشكل آرائنا وكيف تتغير حسب ما نلاحظه أو نركز عليه. فهي تؤثر على تقييمنا للأخبار، وتكوين الصور النمطية، واتخاذ القرارات، حيث قد يؤدي تركيزنا على نمط معين إلى تجاهل وجهات نظر أخرى أو تفسير المعلومات بشكل متحيز. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يُساهم هذا الإدراك في ما يُعرف بتأثير الحقيقة الوهمية، حيث تُنظر للمعلومات المتكررة على أنها أكثر صحة.

هل يمكن السيطرة على الظاهرة أو منعها؟

بالرغم من أن الإدراك بظاهرة بادر-ماينهوف يُساعد في اتخاذ خطوات للحد من تأثيرها، إلا أنه من غير الممكن إيقافها تمامًا، لأنها جزء أساسي من طريقة عمل الدماغ. ومع ذلك، يمكن أن تكون مفيدة في بعض الحالات، خاصة في مجالات مثل الطب، حيث يمكن للأطباء أن يصبحوا أكثر وعيًا بأعراض مرض نادر عن طريق الانتباه إلى تكراره. من أجل تقليل تأثيرها على تفكيرنا، من المهم الانتباه لوقت ظهورها، والتأكد من مصادر المعلومات، والحفاظ على انفتاح عقلنا. ينصح بعدم الاعتماد على مصدر واحد للمعلومات وتوسيع دائرة البحث، والتحقق من صحة البيانات من خلال مصادر موثوقة، والابتعاد عن تقديم استنتاجات مبنية على تكرار المعلومات فقط، لأنها قد تؤدي إلى تصورات غير دقيقة.

مقالات ذات صلة