تتكرر مشاهدة شيء معين في حياتك، مثل رغبتك في شراء سيارة معينة، فتجد نفسك تلاحظها بكثرة في الشوارع. لا تعتبر هذه الحالة حالة فردية، فهي ظاهرة نفسية تُعرف باسم “ظاهرة بادر-ماينهوف”.
ما هي ظاهرة بادر-ماينهوف؟
هي انحياز معرفي يجعل شيئًا ما يظهر بشكل مكثف في ذهنك بعد أن تلاحظه لأول مرة، بحيث تبدأ في ملاحظته في أماكن متعددة بشكل متكرر. تظهر هذه الظاهرة عندما تركز انتباهك على شيء معين ثم تزداد ظهوراته في حياتك، وبالرغم من أنها تظهر وكأنها أكثر انتشارًا، إلا أن الواقع يوضح أن دماغك فقط أصبح أكثر وعيًا به. يُطلق على هذه الظاهرة أيضًا اسم “وهم التردد” وسببها هو الانتباه الانتقائي والانحياز التأكيدي، اللذان يدفعان الدماغ للتركيز على المعلومات الجديدة وتعزيزها.
كيف تحدث هذه الظاهرة؟
تحدث عندما تقوم عمليات عقلية مهمة، مثل الانتباه الانتقائي والذي يختار بعض المعلومات لتكون محور التركيز، والانحياز التأكيدي الذي يدفعك لتأكيد معتقداتك، بفلترة كميات هائلة من البيانات التي تصل إلى دماغك. فبسبب الوفرة الكبيرة للمعلومات، يضطر الدماغ إلى تصفية غير المهم، مما يجعلك تركز على التفاصيل التي تدعم تصورك، وما تلاحظه بشكل متكرر ليس بالضرورة أكثر شيوعًا، بل أنت ببساطة أدركته أكثر. ذلك يُفسر كيف يمكنك أن ترى أشياء كثيرة حول موضوع معين، رغم أن وجودها غير مرتبط بواقعيتها بشكل كبير.
أهمية فهم الظاهرة
يمكّننا إدراك ظاهرة بادر-ماينهوف من فهم كيف يُشكّل إدراكنا للعالم، الذي ليس دائمًا موضوعيًا، حيث يعتمد بشكل كبير على تصفية الدماغ للمعلومات وتركيزه على ما يراه مهمًا. فتكرار شيء معين قد يعزز من تصورنا أنه أكثر انتشارًا أو أهمية، مما يؤثر على قراراتنا وآرائنا. على سبيل المثال، عند البحث عن موضوع معين، قد نُلاحظ أن تكراره في حياتنا يجعلنا نعتقد أن الأمر أكثر انتشارًا أو أهمية، حتى لو كان ذلك غير دقيق. قد يؤدي ذلك أيضًا إلى تفضيل المعلومات التي تؤكد معتقداتنا، وتجاهل الآراء الأخرى، التي يمكن أن تخفف من تأثير التحيز.
هل يمكن السيطرة على الظاهرة أو الحد من تأثيرها؟
على الرغم من أن الوعي بوجود ظاهرة بادر-ماينهوف يساعد على تقليل تأثيرها، إلا أنه من الصعب إيقافها تمامًا لأنها جزء طبيعي من وظيفة الدماغ. مع ذلك، يمكن اتخاذ خطوات للحد من تأثيرها، مثل مديّة الانتباه للخطر، حيث يتطلب الأمر التمحيص قبل تصديق أن شيئًا ما يظهر بكثرة فقط لأنه هو الآخر أصبح أكثر وعيًا به. من الحكمة أيضًا الحفاظ على انفتاح العقل، وتقبل وجهات نظر مختلفة، وتوسيع نطاق مصادر المعلومات، حيث يساعد ذلك على منع تمركز التفكير حول فكرة واحدة فقط. كما يُنصح دائمًا بالتحقق من صحة المعلومات التي تتلقاها من مصادر متعددة، وعدم الاعتماد على مصدر واحد، خاصة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي التي تُعزز تلقائيًا المحتوى الذي يثير اهتمامك، مما قد يُحرف تصورك للواقع. البحث عن أدلة موضوعية وموثوقة، وطرح الأسئلة، والتعرّف على آراء أخرى، يعد من أهم الطرق لمواجهة تأثير الظاهرة على تفكيرك.