يُعد حليب الأم أكثر من مجرد مصدر غذائي للرضيع؛ إذ يلعب دورًا رئيسيًا في تأسيس صحة أمعائه. فمنذ الأيام الأولى، يتعرف جسم الطفل على بكتيريا مفيدة مثل اللاكتوباسيلس والبيفيدوباكتيريوم، التي تُشكل ميكروبيوم أمعاء الطفل. يُساهم هذا التوازن الميكروبي في تحسين عملية الهضم وتقوية الجهاز المناعي.
الأطفال الذين يمتلكون ميكروبيوم معوي متوازن وقوي يظهرون استجابات مناعية أكثر ثباتًا، مع هضم أفضل، ويحققون نموًا صحيًا بشكل عام. تحتوي حليب الأم على سكريات خاصة تُعرف بسكريات حليب الأم قليلة التعدد (HMOs) التي لا يهضمها الأطفال بنفسهم، بل تغذي البكتيريا النافعة في أمعائهم، مما يعزز من نموها ويخلق بيئة صحية للأمعاء.
أهمية الميكروبيوم في تعزيز صحة الطفل
لا يقتصر دور ميكروبيوم الأمعاء على دعم عملية الهضم فحسب، بل يُساعد جهاز المناعة على التعلم والتمييز بين ما يجب أن يهاجمه وما يجب أن يتراجع عنه. يُساهم هذا التفاعل المبكر في تقليل مخاطر حدوث الحساسية والالتهابات وبعض المشكلات الصحية طويلة الأمد. كما أن حليب الأم يتغير مع مرور الوقت ليتكيف مع عمر الطفل وظروف بيئته، موفرًا دعمًا متطورًا ومناسبًا لنموه.
أما من الناحية السريرية، فقد أظهرت الدراسات فوائد طويلة الأمد على صحة الأطفال، إذ يعاني الأطفال الذين يمتلكون ميكروبيوم معوي متوازن من استجابات مناعية أكثر استقرارًا، وهضمًا محسّنًا، ونموًا صحيًا. لذلك، يُنصح الخبراء بشكل دائم بخصوصية الرضاعة الطبيعية كوسيلة فعالة لدعم نمو الطفل منذ البداية.
الآثار الصحية للمِيكروبيوم الصحي على المدى البعيد
يتطور الميكروبيوم الصحي خلال السنوات الثلاثة الأولى من عمر الطفل، ويلعب أدوارًا مهمة طوال حياته. يساهم في تمكين الجسم من مقاومة الأمراض والعدوى، حيث يغذي حليب الأم البكتيريا المفيدة التي تنضج مع نمو الطفل. تلعب هذه البكتيريا دورًا في تقليل خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل الربو والسمنة والحساسية والتهاب الجلد والاضطرابات الالتهابية المعوية والاضطرابات العصبية.
كما تلعب ميكروبات الأمعاء دورًا هامًا في تنظيم المزاج، القلق، والإدراك، والألم عبر محور الدماغ والأمعاء، مما يؤكد أهمية الرضاعة الطبيعية في تشكيل ميكروبيوم الطفل بشكل صحي ومستمر. تتأثر تكوين ميكروبيوم الطفل بالعديد من العوامل، مثل نوع الولادة (طبيعية أم قيصرية)، حالة الأمهات، استخدام المضادات الحيوية، مدة الرضاعة، نوعية الأطعمة المقدمة، وجود الحيوانات الأليفة، وغيرها، وكلها تؤثر في صحة الميكروبيوم وتوازنه في عمر الطفل.