يعاني العديد من الأشخاص من مشكلة التكرار القهري للأفكار والسلوكيات، وهي حقيقة لا تظهر للعلن دائمًا، لكنها تسيطر على حياة المصابين بها يوميًا. يتطلب الأمر مقاومة تلك الأفكار بممارسات قهرية متكررة، ليست مجرد تصرف غريب، بل واقع حقيقي يعايشه الملايين حول العالم، ويطلق عليه اضطراب الوسواس القهري (OCD). ومن خلال فهم هذا الاضطراب المعقد، تتضح حقائقه التي قد تكون غائبة عن الكثيرين عندما يركزون فقط على مظاهره السطحية.
حقائق مهمة حول اضطراب الوسواس القهري
لا يقتصر الوسواس القهري على مجرد السلوكيات المبالغ فيها في الترتيب أو التنظيف، لكنه أعمق من ذلك بكثير. يعاني الشخص من أفكار قهرية لا يستطيع السيطرة عليها، مثل الخوف من إيذاء الآخرين أو الشك المستمر في قراراته، ويقوم بسلوكيات متكررة لتخفيف التوتر الناتج عن تلك الأفكار. وهو اضطراب عقلي يتطلب تعاطفًا وفهمًا ومتابعة علاجية مستمرة، لا يمكن تجاهله أو تصنيفه كصفات شخصية.
يعد الانتشار واسعًا، حيث يُقدّر أن حوالي 1.2% من البالغين في الولايات المتحدة يعانونه، مما يجعله أحد أكثر الاضطرابات النفسية انتشارًا، بالرغم من قلة الوعي والفهم المجتمعيّ حوله. ويُعتقد أن محاولة طمأنة المصاب بشكل مستمر قد تترك أثرًا معاكسًا، حيث يبدأ الدماغ في البحث عن تأكيدات جديدة، ما يزيد من حدة الوسواس بدلًا من تقليلها.
على الرغم من وعي المصاب بأن أفكاره غير منطقية، إلا أنه غير قادر على إيقافها، الأمر الذي يسبب شعورًا بالذنب والعار، ويزيد من معاناته. كما أن اضطراب الوسواس لا يصنف ضمن الاضطرابات الذهانية، إذ إن الأشخاص المصابين لا يفقدون الاتصال بالواقع، ولكنهم يعيشون في صراع داخلي دائم. وغالبًا ما يتأثرون من أحداث مؤلمة في الحياة، خاصة عند فقدان شخص عزيز أو مرض شديد، حيث يمكن أن تظهر أعراضه بشكل مفاجئ.
وفي سن مبكرة، قد يظهر الوسواس على شكل أعراض واضحة لدى الأطفال والمراهقين، وغالبًا يكون مصحوبًا بقصور في الوعي لدى المحيطين بهم. يتطلب التشخيص الصحيح سنوات طويلة أحيانًا، خاصةً إذا تم تفسير الأعراض على أنها تصرفات غريبة أو حرص زائد، مما يتطلب توعية مبكرة وتدخلًا علاجيًا مبكرًا لتخفيف المعاناة.
وعلاج الوسواس القهري موجود وفعال، لكنه يتطلب التزامًا طويل الأمد، حيث ينصدم الكثير من المصابين بعدم قدرتهم على السيطرة على أفكارهم، مهما كانت واضحة وغير منطقية؛ فالعلاج يعتمد على برامج سلوكية معرفية، مع أدوية تشمل مثبطات امتصاص السيروتونين. وعلى الرغم من ذلك، فإتمام العلاج بشكل مستمر هو أحد العوامل الأساسية للنجاح، وليست مجرد حلاً مؤقتًا.
وفي النهاية، يمكن للمصابين بالوسواس القهري أن يعيشوا حياة متوازنة وناجحة، إذا توفر لهم التشخيص الصحيح والدعم النفسي والطبي. قوة التعافي تكمن في الفهم، والاحتواء، والإصرار على المواجهة، وليست الحياة مستحيلة على من يعانون منه، وإنما تحتاج فقط للوعي والتدخل المبكر.