أصبح الذكاء الاصطناعي معلماً خصوصياً متاحاً على مدار الساعة، يلجأ إليه الطلبة لتلقي إجابات دقيقة وشروح مبسطة عن أسئلة معقدة في مختلف المواد الدراسية.
تباينت آراء التربويين حول الشرح الآلي واعتماد الطلبة عليه، فبين من يرى أنه يمثل نقلة ثورية تدعم العملية التعليمية وتكمل دور المعلم، وبين من يحذر من مخاطر الاعتماد عليه وتآكل المهارات الأساسية.
أما الطلبة، فليسهم يستخدمون تشات جي بي تي كوسيلة أساسية لتجاوز صعوبات المناهج وتوفير شرح مبسط للمفاهيم الكبرى، معتبرين أنه شريك رقمي لا يلتزم بضغوط المنهج مثل المعلم البشري.
ويعد تشات جي بي تي من التطبيقات الأكثر اعتماداً من قبل أولياء الأمور بسبب سعر اشتراكه المعقول، الذي لا يتجاوز 100 درهم شهرياً.
فجوات معرفية وتجارب الطلبة
أفاد طلاب الحلقة الثانية والثانوية بأن AI ليس بديلاً للمعلم، بل شريك رقمي صبور يملأ الفجوات المعرفية، وعندما يواجهون صعوبة في فهم درس فيزياء معقد يتجهون إليه.
ويقدم النظام الشرح عبر تشبيهات من الحياة اليومية، وفي المواد الأدبية يقرأ القصيدة بصوت واضح، ويحلل المفردات ويرسم جماليات النص بطريقة تشعرهم بأنهم في حلقة نقاش أدبية.
كشف الطلاب أن اللجوء للدروس الخصوصية قبل ظهور أدوات AI كان عبئاً نفسياً وضغطاً مستمراً، وأن الحصص كثيراً ما تمر دون فهم كامل بسبب قلة الوقت مع المعلم.
ويؤكدون أن AI كسر الحاجز عبر إعادة الشرح بلا ملل وبأساليب تناسب طريقة فهم كل طالب، كما وفر الوقت والجهد المرتبطين بالانتقال إلى مراكز الدروس الخصوصية بعد يوم دراسي طويل.
خفض التكلفة وتوفير الوقت
من زاوية اقتصادية يرى أولياء الأمور أن النظام خفف عنهم عبء الدروس الخصوصية الذي استهلك جزءاً من ميزانية الأسرة.
تشرح أم محمد أنها تستخدم AI كأداة مساعدة فورية، تطلب شرحاً بأسلوبين مختلفين: بسيط للطفل الأصغر وأعمق للأكبر، وتعتبره عدالة تعليمية للوصول الفوري للمعرفة، مع الإقرار بدور المعلم في التحضير للاختبارات والمنهج العلمي.
وتذكر أم مايد أنها دفعت اشتراكاً شهرياً قدره 89 درهماً للحصول على ما يحتاجه ابنها للدراسة، في حين أن الحصة الصوتية تبدو كمعلم يحاوره، بينما الحصة الأونلاين كانت الأقل كلفة من الحضور الحضوري.
وتؤكد أمينة حسن أن تكلفة الدروس الخصوصية ارتفعت في السنوات الأخيرة بشكل يؤثر في ميزانيات الأسر، وأن AI يوفر حلاً مرناً لتخفيض هذه التكاليف مع الحفاظ على جودة الشرح.
تجربة المعلم والدور التربوي
يرى التربوي ياسر الأشقر أن دمج AI في التعليم يمثل نقلة ثورية وليس تهديداً، فالمعلم البشري غالباً ما يشرح بطريقة واحدة تناسب أغلبية الطلبة، بينما يمكن للذكاء الاصطناعي تصميم تجربة تعليمية مخصصة وتقديم النصوص الأدبية بصوت مؤثر يربطها بالسياق التاريخي ويشدد على الارتباط مع مواد أخرى.
ويضيف أن AI لا يلغي دور المعلم، بل يعزز مكانته لأنه يحرره من المهام الروتينية ويوفر أدوات متابعة دقيقة لتقدم كل طالب، مع التدخل عند الحاجة لتقديم الدعم الإنساني والتربوي الذي لا يمكن لأي تقنية أن تحل محله.
نقاش المخاطر والتحفظات
يرى التربوي محمد فتحي أن الإفراط في الاعتماد على AI يضر بالمهارات الأساسية للطالب، فالتعليم ليس مجرد نقل معلومات بل تفاعل وحوار وتشكيل للشخصية، فالمعلم ينقل شغفه وانفعاله عند شرح القصيدة وهو تفاعل ضروري لتنمية التفكير النقدي).
يحذر من أن اعتماد الطالب على شرح مبسط وسريع قد يضعف قدرته على البحث العميق والتحليل وحل المشكلات غير النمطية، ويؤكد أن AI يجب أن يكون عصاً للمساعدة لا عكازاً للاعتماد الكامل.
الضوابط الأخلاقية والتوجيه التربوي
توضح الدكتورة ميساء العبدالله أن دخول AI للمشهد التعليمي يفرض تحديات أخلاقية، فقد يلجأ بعض الطلبة إلى استخدام الأدوات لإنجاز الواجبات دون جهد شخصي، مما يهدد هدف التعليم القائم على التفكير النقدي والمهارات الفردية.
وتؤكد أن المعلم والأسرة مطالبان اليوم بترسيخ ثقافة الاستخدام المسؤول، وأن AI أداة تعلم لا غاية للاعتماد الكامل، وأن التحدي المستقبلي هو إيجاد آليات رقابة وتوجيه تربوي تضمن أن AI يساعد في الفهم والإبداع لا تجاوز الجهد الذاتي أو الانفصال عن روح التعليم.
وتشير التربوية إيمان مصطفى إلى أن AI حجز لنفسه مكانة قوية في حياة الطلاب بفضل قدرته على تبسيط الشرح وتخصيص العملية التعليمية بما يلائم احتياجات كل متعلم، وأن هذه الأدوات باتت جزءاً من التجربة الصفية وتوفر وقتاً وجهداً وتفتح آفاق جديدة في التعلم الذاتي، لكن يبقى التحدي الأكبر في ضمان ألا يؤدي الاعتماد المتزايد على AI إلى إضعاف التفاعل البشري المباشر الذي يبني الشخصية والقدرات الاجتماعية والتفكير النقدي.
توازن المستقبل في التعليم
يؤكد المختصون أن التعليم ليس مجرد نقل معرفة، بل بناء للوعي والعلاقات الإنسانية التي لا يمكن لأي تقنية عوضها، وسيكون المستقبل في صيغة تجمع بين ذكاء الأنظمة الرقمية وحكمة المعلم البشري: المعلم ملهم وموجه، والذكاء الاصطناعي يقدم محتوى مخصص وتحليلات دقيقة تدعم قرارات تربوية أكثر فاعلية.
جهود وتوجيهات عملية
يرى الخبير التربوي محمد عبيدات أن أخطر ما قد يواجه الأسر هو الاعتماد المفرط قبل الامتحانات، فبعض الطلاب قد يلتقطون الإجابات الجاهزة من AI ويفقدون القدرة على المراجعة الذاتية والتحليل، لذلك يجب أن يُستخدم AI كأداة تدريب وتثبيت الفهم، مع تنويع المصادر والمرجع الأساسي الكتاب المدرسي والمصادر الأكاديمية، وتظل AI وسيلة داعمة تكسر الجمود وتفتح زوايا جديدة للفهم.
وينبغي أن يتولى الأهل والمتابعة الدقيقة حماية الأبناء من الغش أو الاستسهال وترسيخ ثقافة التوازن بين الجهد البشري والوسائل التقنية كخيار واقعي في مستقبل التعليم.