ترسّخ دولة الإمارات مكانتها الرائدة في خريطة الطاقة النظيفة العالمية، مدفوعة بالرؤية الحكيمة لقيادتها التي جعلت من الاستدامة محوراً إستراتيجياً للتنمية، ومبنية على استثمارات نوعية تقودها مؤسساتها الوطنية وشركاتها العالمية نحو تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
ويؤكد خبراء دوليون في قطاع الطاقة أن الاستثمار في الطاقة النظيفة في الإمارات لم يعد خياراً تنموياً فحسب، بل أصبح ضرورة إستراتيجية تضمن استدامة النمو الاقتصادي، وتجعل من الدولة شريكاً أساسياً في صياغة مستقبل الطاقة المستدامة للعالم.
أطر ورؤى وطنية وتوجيهات عملية
في هذا السياق، يؤكد هيلموت فون ستروف الرئيس التنفيذي لشركة “سيمنس” في الإمارات والشرق الأوسط أن العالم يقف عند مفترق طرق حاسم، أصبحت فيه الحاجة إلى تسريع دمج مصادر الطاقة المتجددة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وشدد على أن الوصول إلى مستقبل نظيف خالٍ من الانبعاثات الكربونية لا يعتمد فقط على سرعة نشر حلول الطاقة المتجددة، بل على مدى فعالية توظيف التكنولوجيا لدعم إدارة هذا التحول المهم، معتبرًا أن التكنولوجيا لم تعد أداة للقيام بذلك، بل باتت المحرك الذي يدفعنا إلى الأمام، لتمكيننا من تحسين أنظمة الطاقة وخفض الانبعاثات وتوفير طاقة أنظف وأكثر استدامة للعالم.
وأشاد فون ستروف برؤية الإمارات الطموحة وخطواتها الملموسة على أرض الواقع من خلال تنفيذ مشاريع رائدة أرست معايير عالمية في مجال البنية التحتية للطاقة المتجددة والتحول الرقمي لأنظمة الطاقة، مؤكداً أهمية العمل على مواكبة هذا الزخم من خلال الحلول الرقمية الأكثر ذكاءً، القائمة على البيانات، والتي تتمتع بدرجة عالية من المرونة والقدرة على التكيف بسرعة مع المتطلبات المتغيرة.
ورأى فريدريك جودميل، نائب الرئيس التنفيذي لإدارة الطاقة في “شنايدر إلكتريك”، أن التحول نحو الطاقة النظيفة في الإمارات لم يعد مجرد تطوير للبنية التحتية، بل أصبح بداية لعصر جديد يقوم على الابتكار والمرونة والازدهار المشترك.
وأوضّح أن ما يميّز نهج الإمارات هو رؤيتها بعيدة المدى، فبدمج التقنيات الذكية وتعزيز التعاون بين مختلف القطاعات تبني الدولة مستقبلاً تكون فيه الطاقة أكثر كفاءة وأسهل وصولاً وأكثر شمولية.
وأضاف أن الطاقة النظيفة ليست مجرد تحول تقني، بل محفّز لإعادة تصور كيف تنمو المدن وكيف تعمل الصناعات وكيف تزدهر المجتمعات.
وأكد إرشاد منصور، الرئيس والرئيس التنفيذي لمعهد أبحاث الطاقة الكهربائية، أن الإمارات تمتلك العناصر الأساسية التي تؤهلها لقيادة عصر جديد يجمع بين الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي، مستشهداً بما تمتلك الدولة من مشاريع رائدة مثل محطات براكة للطاقة النووية، ومجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية المزود بقدرات تخزين، إضافة إلى شركات مثل G42، والعديد من الشركات العالمية الرائدة والكبرى في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وتستند هذه الريادة إلى إطار إستراتيجي وطني متكامل، حيث تضمنت رحلة العمل المناخي في قطاع الطاقة الإماراتي للوصول إلى هدف الحياد المناخي في 2050 الكثير من المحطات، ومنها إطلاق إستراتيجية الإمارات للطاقة وتحديثاتها وتشغيل محطات براكة للطاقة النووية، وخارطة طريق الريادة للهيدروجين، والإستراتيجية الوطنية للهيدروجين 2050 وغير ذلك الكثير من الخطوات والسياسات.
وتهدف إستراتيجية الإمارات للطاقة 2050 إلى مضاعفة مساهمة الطاقة المتجددة ثلاث أضعاف بحلول 2030، وضخ استثمارات وطنية بين 150 إلى 200 مليار درهم خلال نفس الفترة لضمان تلبية الطلب المتزايد على الطاقة في الدولة بسبب النمو الاقتصادي المتسارع.
وتتجسد هذه الرؤية الطموحة في محفظة من المشاريع العملاقة، أبرزها “محطة نور أبوظبي”، التي تُعد أكبر محطة للطاقة الشمسية المركّزة في العالم، و”مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية”، الذي يعد أكبر مشروع للطاقة الشمسية في موقع واحد على مستوى العالم، كما تم تصميم “مدينة مصدر” لتكون واحدة من أكثر المدن استدامة في العالم كنموذج للمدن المستقبلية التي تعتمد على الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة.
ولم تقتصر استثمارات الإمارات على قطاع توليد الطاقة، بل امتدت لتشمل تطوير قطاع نقل مستدام، حيث تدعم حلول النقل الجماعي النظيفة وتشجع انتشار السيارات الكهربائية؛ ويُعد مترو دبي مثالاً بارزاً كأحد أكبر مشاريع النقل العام في المنطقة، الذي يساهم بفاعلية في تقليل الازدحام المروري وخفض الانبعاثات الكربونية.