رئيس التحرير: حسام حسين لبش
مدير التحرير: علي عجمي

فى اليوم العالمى للفتاة: أساليب نفسية لبناء ابنة واثقة من نفسها

شارك

يُحتفى باليوم العالمي للفتاة في الحادي عشر من أكتوبر لتذكير العالم بأهمية تمكين الفتيات نفسيًا واجتماعيًا وصحيًا منذ الصغر. في هذه المناسبة، لا يقتصر الاحتفال على إنجازات النساء، بل يُوجَّه الضوء إلى المرحلة التأسيسية التي تبدأ داخل البيت حيث تتشكل الثقة بالنفس وتُبنى الصورة الذاتية التي ترافق الفتاة مدى الحياة.

تشير الأبحاث النفسية الحديثة إلى أن تقدير الذات يبدأ في السنوات الخمس الأولى من العمر، ويتأثر مباشرة بطريقة استجابة الوالدين لمشاعر الطفل وسلوكه.

عندما تتلقّى الفتاة رسائل بأن مكانتها ليست مرتبطة بالأداء بل بوجودها الإنساني، تتكوّن لديها بنية نفسية مستقرة تقوىها على مواجهة الضغوط لاحقًا.

هذه الرعاية المبكرة تبدأ في الأسرة وتترك أثرها في الثقة بالنفس طوال مراحل النمو.

اليوم العالمي للفتاة

ليس مجرد مناسبة رمزية، بل تذكير بدمج الدعم النفسي في التربية اليومية. بناء فتاة واثقة لا يتحقق بالشعارات بل بالممارسات اليومية الصغيرة: نظرة حانية، وإنصات صادق، تشجيع واقعي، وحدود واضحة.

البيئة الأسرية ودورها في بناء التوازن النفسي

من منظور علم النفس التنموي، يعتمد بناء الثقة على ثلاثة محاور مترابطة: القبول، والانتباه، والدعم.

القبول يعني أن تشعر الفتاة بأن قيمتها ليست مرتبطة بالأداء أو المظهر، بل بوجودها كإنسانة.

أما الانتباه فمرتبط بمدى وعي الأهل بتفاصيل سلوكها ولغتها وانفعالاتها اليومية.

أما الدعم فيشمل المساندة اللفظية والعاطفية التي تُقدَّم في لحظات الضعف كما في أوقات النجاح.

تشير الدراسات العصبية إلى أن المراكز الانفعالية في دماغ الفتيات تكون أكثر نشاطًا من نظيراتها لدى الذكور في مرحلة الطفولة المبكرة، وهذا يجعل استجابة الأهل لانفعالات بناتهم أكثر تأثيرًا في تشكيل صورتهم الذاتية.

تجاهل المشاعر أو تقليلها يضعف البنية العاطفية ويُغذّي الشك الداخلي، بينما الاعتراف بالمشاعر وتنظيمها تدريجيًا يُسهم في تعزيز الثقة والاتزان.

التواصل اللفظي واللغوي كأداة علاجية

تؤكّد الأبحاث النفسية أن اللغة هي الوسيط الأهم في تكوين مفهوم الذات. الفتيات، بحكم تكوينهن العصبي، يمتلكن حساسية لغوية عالية، ما يجعل كلمات الوالدين ذات أثر طويل.

الرسائل اللفظية البسيطة مثل “أراكِ تبذلين جهدًا” أو “أقدّر طريقتك في التفكير” تشغِّط دوائر المكافأة في الدماغ وتُشجّع على السلوك الإيجابي.

في المقابل، العبارات التقييمية المباشرة مثل “أنتِ ذكية” أو “أنتِ مخطئة دائمًا” تعيد تشكيل الهوية حول التقييم الخارجي وتضعف النمو النفسي.

من الناحية السلوكية، يُنصح الأهل باتباع أسلوب “الإنصات النشط”، أي منح الفتاة مساحة للتعبير قبل إصدار أي رد فعل، وهذا النمط من التواصل يخفّف التوتر ويزيد من إفراز الناقلات المسؤولة عن الشعور بالأمان مثل الأوكسيتوسين والسيروتونين.

الحيل النفسية لتعزيز الثقة دون ضغط نفسي

يمكن تطبيق عدة استراتيجيات يوميًا لبناء ثقة صحية دون تضخيم أو مثالية زائفة.

تجنّب المقارنة يقلل من القلق الاجتماعي ويركّز على التقدّم الشخصي.

يفضّل التحفيز بمدح محدد ومبني على السلوك، مثل “أعجبني مثابرتك” بدلاً من الثناء على الصفات الثابتة كالجمال أو الذكاء.

تعلم الأطفال من خلال الملاحظة: رؤية الأم تتعامل مع ذاتها بثقة وهدوء يصبح نموذجًا أقوى من أي نصيحة.

إعطاء الفتاة بعض المسؤوليات البسيطة في سن مبكرة يُدرب الدماغ على اتخاذ القرار ويقلل الاعتماد على الآخرين.

تشجيع الفتاة على تحليل الأخطاء بدلاً من الخوف منها يخفف نشاط اللوزة الدماغية ويعزز التكيّف النفسي.

العوامل البيولوجية والنفسية المشتركة في بناء الهوية النفسية

من الجانب الطبي-النفسـي، تعتبر فترة المراهقة مرحلة حرجة في نضج الدماغ الانفعالي والمعرفي، وتتغير مستويات الهرمونات العصبية ما يجعل الفتيات أكثر حساسية للملاحظات المتعلقة بالجسم والمظهر.

لذا توصي الجمعيات النفسية بأن يكون خطاب الأسرة في هذه المرحلة داعمًا وغير نقدي، مع التركيز على القيم الجوهرية مثل الذكاء العاطفي والمرونة والقدرة على التنظيم الذاتي.

كما تشير الأبحاث إلى أن ممارسة الرياضة المنتظمة تحفّز إفراز الدوبامين والإندورفين، وهو ما ينعكس إيجابًا على المزاج والإدراك الذاتي. لذا يعتبر تشجيع الفتيات على النشاط البدني جزءًا من الوقاية النفسية ضد القلق والاكتئاب.

الأم نموذج الثقة الأول

من المنظور العلاجي، تمثل الأم “المرآة العصبية” الأولى لابنتها. طريقة تعامل الأم مع جسدها، ولغتها حول الأخطاء، واستجابتها للتوتر، جميعها تخزّن في الذاكرة الانفعالية للطفلة.

إظهار التوازن بين الرعاية الذاتية والمسؤولية يعيد برمجة مفاهيم الكفاءة والاستحقاق داخل عقل الفتاة. وعندما ترى الأم تمارس العناية بنفسها دون شعور بالذنب، تتعلم الابنة أن احترام الذات ليس أنانية بل ضرورة صحية.

مقالات ذات صلة