نتائج الدراسة وتأثيرها
أظهرت نتائج دراسة أُجريت بقيادة الباحث الاقتصادي جوزيف دويل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا علاقة بين ترتيب الميلاد وسلوك الأبناء داخل الأسرة، مع عينة كبيرة تضم أسرًا لديها أكثر من طفل واحد وبخاصة حين يكون الطفل الثاني ذكرًا.
وأشارت النتائج إلى أن الطفل الثاني، وبالأخص الذكور، يظهر غالباً سلوكيات أكثر اندفاعاً وتمرداً من الطفل الأول، مع ارتفاع احتمال مواجهة مشكلات سلوكية في المدرسة أو الحياة الاجتماعية.
فسر دويل هذه النتائج بأن البيئة المحيطة تُنشئ فروقاً في النشأة؛ فالأول عادةً ما يقتدي بالكبار ويتعلم من تصرفاتهم المنظمة، بينما يجد الثاني أمامه نموذجاً أقرب إلى العفوية وتقييد أقل في الأخذ والرَدّ.
ربطت الدراسة بين تفاوت تركيز الأبوين على الأبناء وتكوّن هذه الفوارق؛ فالأبوان غالباً في مرحلة الطفل الأول يكونان أكثر توجيهاً ومتابعةً، بينما يقل الانتباه تدريجياً مع المولود الثاني بسبب الانشغال أو الإرهاق أو الاعتياد، مما يجعل الأخير يبحث عن طريقة جذب الانتباه.
فتحت نتائج الدراسة باب النقاش حول دور الأسرة والبيئة في تشكيل شخصية الأبناء ومدى تأثير الملاحظة والمقارنة المستمرة على نموهم النفسي دون الإيحاء بأن الطفل الثاني مشاغب.
دور الأسرة وأساليب التربية المستدامة
أوضح الدكتور عادل سلطان، استشاري الطب النفسي بجامعة القصر العيني، أن ما تصفه الدراسات ليس قدرًا نفسيًا بل انعكاساً لطريقة تعامل الأسرة مع الطفل الثاني.
ويؤكّد أن التطرف في أي من الاتجاهين يؤدي إلى خلل في بناء الشخصية، فالإفراط في التدليل أو الإهمال الزائد يتركان أثرهما على الاستقرار النفسي.
وأشار إلى أن بعض الأسر تفرط في التدليل بالأول كالتجربة الأولى، وتتعامل مع الثاني كـ “الأصغر الذي سيتعلم وحده” فيفقد الطفل إحساسه بالدعم بما يعزز القلق والانفعال.
وتؤكد بعض الأسر أنها تبالغ في التدليل بدافع الشعور بالذنب، فيمنحون الثاني حرية مفرطة تعيق ضبط النفس والحدود.
ويؤكد أن الحل يكمن في العدل التربوي لا في مساواة سريعة، فالمقصود أن يعامل الوالدان كل طفل وفق احتياجاته النفسية الخاصة لا بنسخ الأسلوب نفسه للجميع.
كيف يحافظ الوالدان على التوازن النفسي لأطفالهما؟
تجنب المقارنة بين الأبناء تحت أي ظرف لأنها تخلق شرخاً داخلياً وتدفع الطفل إلى قياس ذاته من خلال الآخر بدلاً من نفسه.
خصص وقتاً أسبوعياً للحديث واللعب مع كل طفل بمفرده ليشعر بالاستقرار والانتماء ويمنع الغيرة.
احرص على توزيع المسؤوليات بشكل عادل بينهم ليشعر كل طفل بأنه جزء من منظومة واحدة ولا يتحمل الأكبر عبء تربية الأصغر.
اعتمد مرونة في أسلوب التربية وفق احتياجات كل طفل وتفاعله مع المحيط العائلي، فالتفاهم النفسي هو المفتاح.
تعامل بإيجابية مع الغيرة وشارك الأكبر في رعاية الأخ ضمن حدود بسيطة ليشعر بالانتماء والمشاركة بدلاً من الإقصاء.
إشارات تستدعي الانتباه
راقب أي تغير مفاجئ في سلوك الطفل الثاني مثل الانعزال أو التمرد المستمر فهذه إشارات قد تدل على ضغط نفسي غير معلن.
استشر مختصاً في الصحة النفسية للأطفال إذا استمر سلوك الانسحاب أو التمرد، لأن التدخل المبكر يمنع تطور المشكلة.
متلازمة الطفل الثاني
تُعرف ما يُقصَد بـ متلازمة الطفل الثاني بأنها مفهوم اجتماعي ونفسي وليس حالة طبية محددة، وقد أُطلق هذا المصطلح منذ بدايات القرن العشرين.
أوضح الطبيب النمساوي ألفريد أدلر أن الأطفال في الوسط المتوسط للترتيب قد يتعرضون لقلق من إقصاء أشقائهم مما يدفعهم إلى منافسة شديدة وسعي لإثبات الذات.
ويشير الموقع إلى أن هذه الظاهرة تنشأ غالباً من انشغال الوالدين بالأخ الأكبر أو الأصغر ما يجعل الطفل الأوسط يشعر بأنه في الظل، وهذا قد ينعكس سلباً.
غير أن العلماء يؤكدون أن الدعم الأسري والاحتواء العاطفي يمكنان من كسر هذه الحلقة، فحين يوفر الآباء الحب المتكافئ ويتيحان لكل طفل فرصة للتعبير عن ذاته تختفي آثار التمييز تدريجيًا.