رئيس التحرير: حسام حسين لبش
مدير التحرير: علي عجمي

التكنولوجيا باب تمكين أصحاب الهمم نحو الاعتماد على الذات

شارك

أصبحت التكنولوجيا شريكاً رئيسياً في تفاصيل الحياة اليومية، حيث تحولت التقنيات الحديثة إلى جسر حقيقي نحو تمكين أصحاب الهمم، مانحة إياهم القدرة على تجاوز التحديات وتحقيق قدر أكبر من الاعتماد على الذات والمشاركة الفاعلة في المجتمع.

من الأجهزة الذكية إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومن المنازل الذكية إلى الروبوتات المساعدة، أصبحت التكنولوجيا اليوم لغة جديدة للدمج الإنساني، تعيد تعريف مفاهيم الاستقلالية والكرامة والمساواة لهذه الفئة العزيزة على قلوبنا.

وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من مليار شخص حول العالم يعانون شكلاً من أشكال الإعاقة، فيما يحتاج نحو 2.5 مليار فرد إلى منتج أو وسيلة مساعدة على الأقل، ومع التطور التقني الهائل في السنوات الأخيرة، بات الوصول إلى هذه الحلول أكثر تنوعاً وسرعة، لكنه لا يزال تحدياً من حيث الكلفة والتوفر.

يرى خبراء أن التقنيات الحديثة، خصوصاً تلك القائمة على الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، تمثل «ثورة صامتة» في حياة أصحاب الهمم، إذ لم تعد الأجهزة تقتصر على تعويض النقص الجسدي، بل أصبحت وسيلة لتوسيع القدرات وتحسين جودة الحياة.

وقالوا إن الرهان القادم هو الانتقال من الرعاية إلى التمكين، ومن المساعدة إلى الاستقلالية، عبر أدوات تكنولوجية تصنع الفارق وتفتح نوافذ أمل جديدة في حياة ملايين البشر.

مبادرات ومبادرات متكاملة في الإمارات

وأكد الخبراء والمختصون أن الإمارات من الدول الرائدة في دمج التقنيات الحديثة ضمن منظومة دعم وتمكين أصحاب الهمم، حيث أطلقت جهات حكومية وخاصة مبادرات رقمية متكاملة، أبرزها البطاقة الرقمية سند، والمنصات الذكية لتوظيف وتمكين أصحاب الهمم، إضافة إلى تطوير خدمات حكومية رقمية تراعي معايير الوصول إلى العالمية.

ويشكل معرض إكسبو أصحاب الهمم الدولي الذي تنظمه دبي سنوياً أكبر منصة إقليمية تستعرض ابتكارات تخدم هذه الفئة، من الأطراف الصناعية الذكية إلى الحلول التعليمية الرقمية، ما يعكس التزام الدولة بتحويل شعار «مجتمع شامل للجميع» إلى واقع ملموس.

دعم فوري وتواصل فاعل

قال فيتالي ميخالشوك، الرئيس التنفيذي لشركة الخليج لتقنيات معلومات أصحاب الهمم، إن شركته طورت جهازاً ذكياً مزوداً ببرنامج يربط المستخدمين فوراً بمترجمين لغة الإشارة المحترفين عبر مكالمة فيديو مباشرة، ما يغني عن الحاجة إلى مترجم فوري في الموقع ويقدم دعماً فورياً للتواصل في أي مكان.

وأشار إلى أن مثل هذه الأجهزة تفيد في مناطق الاستقبال ومكاتب الاستعلامات ونقاط خدمة العملاء في الجهات والمستشفيات ومراكز النقل ومتاجر التجزئة والفنادق، لمساعدة أصحاب الهمم من الصم، ومنحهم الاستقلالية وتوفير الاعتماد على الذات، كما تساعد المؤسسات على استيفاء معايير إمكانية الوصول العالمية.

حلول مبتكرة في النقل والقيادة

وقال عمار ترك، المدير العام لشركة «جيلاني موبيليتي»، إن الشركة طورت سيارة توفر حلولاً مبتكرة وتلائم احتياجات أصحاب الهمم، وتعمل على تعديل نظام القيادة ليكون أكثر سهولة، من خلال تركيب مقود خاص ونظام تحكم متقدم يمكن أصحاب الهمم من القيادة بكل راحة وأمان، فضلاً عن تعديل المقعد ليكون قابلاً للتعديل بشكل يناسب مختلف الاحتياجات، مع إضافة تقنيات مساعدة.

أما الدكتور ألكسندر ماشادو، أخصائي طب النفس العصبي الإكلينيكي في دبي، فقال إن تشخيص وعلاج اضطرابات النمو العصبي، مثل اضطراب طيف التوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، يشهد تحولاً جذرياً بفضل التقنيات المتقدمة التي تستهدف الآليات العصبية الكامنة. وتطرق إلى تقنيات مثل التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة التي تساعد في استكشاف وتنظيم نشاط القشرة الدماغية عبر بروتوكولات مصممة لمعالجة فرط الاستثارة في التوحد، أو قصور وظائف الفص الجبهي في اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، مع التخفيف من فرط اليقظة المصاحب للقلق. كما يعزز تخطيط الكهرباء الدماغي الوظيفي ويحدد مؤشرات حيوية كهروفيسيولوجية، مثل اضطراب الساعة البيولوجية أو اضطراب النظم اليوماوي في حالات التوحد أو ارتفاع نسبة ثيتا/بيتا في اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. وأضاف أن توجيه التطبيق الفعال لهذه التقنيات يتم من خلال علم النفس العصبي، وهو الفرع الذي يحول البيانات الفيزيولوجية العصبية إلى فهم للأداء اليومي، ويعد التقييم النفسي العصبي أساسياً لتحديد النمط المعرفي.

أهداف سامية في الشارقة وتطوير الإبداع التكنولوجي

وتقول منى عبدالكريم اليافعي، مدير عام مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية: إن المدينة تحرص على توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي مع حالات مثل التوحد والإعاقة الذهنية، وتشير إلى جهود المدينة في تعزيز الإبداع التكنولوجي بين الطلاب أصحاب الهمم، وتشجيعهم على تعلم البرمجة وتصميم الروبوتات. وأكدت أن المدينة حققت نجاحات في المسابقات الوطنية للروبوت والذكاء الاصطناعي، ما يعكس مستوى الابتكار والتميز الذي تسعى إليه في هذا المجال. وأوضحت أن التقنيات الذكية تساهم بشكل كبير في تسريع جهود الدمج وتفتح آفاق جديدة لتحقيق مزيد من الإنجازات عبر توفير فرص أوسع للمعاقين للتطور والمشاركة الفاعلة في بناء مجتمعات أكثر شمولية واستدامة.

تقنيات داعمة وتوعية وتحديات

وشدد عادل عبدالله الزمر، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للمعاقين بصرياً، على أهمية توفير الجهات المعنية لتكنولوجيا مساعدة لأصحاب الهمم، لاسيما فئة المعاقين بصرياً، والاعتماد على أحدث الابتكارات في الروبوتيات والذكاء الاصطناعي والتقنيات الذكية الداعمة، والقادرة على التأثير بشكل كبير في نمط حياة أصحاب الهمم، من أجل تعزيز الاستقلالية والاعتماد على النفس. وأشار إلى ضرورة التوعية بتطبيقات الذكاء الاصطناعي وأحدث خصائص التكنولوجيا المستهدفة للمكفوفين وضعاف البصر، وكيفية استخدامها ودورها في تسهيل حياة الجميع ودعم التعليم وتوفير فرص التعاون مع المؤسسات والشركات المتخصصة في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. كما أشار إلى تحديات تواجه استخدام التكنولوجيا لأصحاب الهمم، أبرزها التدريب والتكلفة، داعياً إلى تضافر الجهود لتجاوزها.

تأكيدات أصحاب الهمم ودعوات الدمج الحقيقي

وأكد عدد من أصحاب الهمم أن التكنولوجيا ليست مجرد أدوات ذكية، بل هي «مفتاح كرامة» يفتح باب حياة طبيعية ويجعل المجتمع أكثر عدالة وشمولاً. وأوضح الناشط محمد الغفلي، وهو من ذوي الإعاقة البصرية، أن دور الذكاء الاصطناعي في تحسين الحياة يظهر من خلال الحلول الذكية والتقنيات المتقدمة التي تعزز السلامة والراحة، مثل استخدام العصا البيضاء مع أنظمة الإرشاد الصوتي والخرائط المتقدمة. ودعا إلى تدريبهم على استخدام الذكاء الاصطناعي والتعرف على المعالم والتضاريس المختلفة مثل الأرصفة والعوائق والتحديات من السيارات والدراجات إلى اللافتات؛ مؤكداً أن الاعتماد على الحلول التقنية يعكس التزام الإمارات ببناء مجتمع يحتضن الجميع ويتيح لكل فرد أن يعيش حياة مستقلة وكريمة، ويمثل نموذجاً للتنمية القائمة على الابتكار والاستثمار في الذكاء الاصطناعي لتعزيز قيم العدالة والمساواة.

وقالت سالمة حمد التميمي، أمين سر جمعية الإمارات للصم، ومدربة لغة الإشارة المعتمدة، إن التكنولوجيا الخاصة بأصحاب الهمم، لاسيما من ذوي الإعاقة السمعية، تسهم في معالجة دقة المعاني التي قد تنشأ نتيجة فروق دقيقة في لغة الإشارة ولغة اليد والعلاقة بينها وبين الجسد. ووصفت مريم حاجي البلوشي المطالبة بتغطية تكاليف بعض الأدوات التي تعزز مهارات العيش المستقل وتقلل الاعتماد على الآخرين، وإدراجها ضمن التأمين الصحي أو توفير دعم خاص، حتى يتمكن أصحاب الهمم من الوصول إليها بتكاليف رمزية. كما أكدت أهمية الدمج الحقيقي عبر تزويدهم بالأدوات اللازمة وفق السياسة الوطنية لتمكين أصحاب الهمم وتحقيق المشاركة الفاعلة والفرص المتكافئة في مجتمع دامج يحفظ الحياة الكريمة لهم ولأسرهم، داعية إلى تغطية التأمين الصحي لعصا المشي البيضاء أو لصيانتها وعدم إدراجها ضمن بند التكنولوجيا كما هو حاصل حالياً.

مقالات ذات صلة