رئيس التحرير: حسام حسين لبش
مدير التحرير: علي عجمي

لطيفة بنت محمد ونورة الكعبي تستعرضان الدبلوماسية الثقافية برؤية إماراتية: جسور التواصل والحوار

شارك

شهدت جلسة نقاشية رفيعة المستوى بعنوان “الدبلوماسية الثقافية برؤية إماراتية: جسور التواصل والحوار” التي أُقيمت في اليوم الختامي للمؤتمر العام السابع والعشرين للمجلس الدولي للمتاحف آيكوم دبي 2025، وتُدارها مينا العريبي رئيسة تحرير صحيفة ذا ناشيونال، وتأتي تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وتستضيفه دبي للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا.

ركزت الجلسة على الهوية والدبلوماسية الثقافية والدور المتنامي للمتاحف واستشراف مستقبلها في مجتمعات تتغير بسرعة، كما سلطت الضوء على دولة الإمارات كجهة عالمية للحوار الثقافي ونموذجاً قائماً على الانفتاح والتعاون والتنمية الثقافية المرتكزة على الإنسان.

روح الوحدة وأثرها في الهوية الثقافية

أكدت الجلسة التزام دولة الإمارات بتوطيد روابطها الثقافية مع العالم وترسيخ المشاركة المجتمعية، مع رؤية لجعل الثقافة جسراً للتواصل وتعزيز الفهم المتبادل. وافتتحت مينا العريبي النقاش بسؤال عن دور الدبلوماسية الثقافية في تعزيز التعاون على مستوى الدولة، فأشارت سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم إلى أن المجتمع كان متماسكاً بالهوية والقيم قبل الاتحاد، وعندما تشكل وطن واحد لم يكن اتحاداً سياسياً فحسب بل اتحاداً ثقافياً يمنح المجتمع طاقة التجدد وبناء المستقبل.

وقالت سموها: “قوة الإمارات تكمن في وحدتها، فعندما تحقق دبي إنجازاً فهذا نجاح لأبوظبي والعكس صحيح، وهذه الروح الداعمة تمتد لتشمل كل الإمارات والمنطقة. والزخم الثقافي في السعودية والمنظومات الإبداعية في الدول المجاورة يملأنا فخراً، فكل إنجاز في منطقتنا يؤثر إيجاباً على الجميع ويذكرنا بأن رحلتنا الثقافية مشتركة وأننا نرتقي عندما نرتقي معاً.”

وأيّدت معالي نورة بنت محمد الكعبي ما طرحته سموها، مشيرةً إلى الحراك الثقافي في الدولة والدور المحوري للمبدعين، فقالت: “المبدعون لا يعترفون بالحدود داخل الوطن الواحد، فهم يتنقلون ويستكشفون ويلهمون ويستفيدون من منظومة المؤسسات الداعمة لأبحاثهم وممارساتهم ونموهم.”

وتابعت سموّها أن الإمارات عززت قيم التسامح والتعايش والانفتاح، وتحتضن مختلف الثقافات والجنسيات بحرية تعبيرها وتقاليدها، وتشعر فيها بالانتماء، وهو ليس جديداً بل جزء أصيل من هويتنا كمجتمع. هذه الروح من التعايش متجذرة في هوية دبي والإمارات.

وأضافت أن أمثلة الآباء والأجداد الذين بلغوا دبي بلغات التجار والعائلات الوافدة تبرز مدى احتضانهم للآخرين، وهو إرث حقيقي نفتخر به وما يزال ينعكس في حاضرنا كهوية حية تتعلم وتستقبل وتتعلم من العالم.

الدبلوماسية الثقافية كنهج عملي وشراكات مستدامة

وأكدت معالي نورة الكعبي أن ما يميّز أي مكان هو العقلية التي يتبنّاها، مشيرةً إلى أن مفهوم الدبلوماسية الثقافية ليس نظرياً فحسب بل ممارسة فعلية تؤخذ بها مبادرات حية، مع الشراكة الوثيقة مع مؤسسات مثل اليونسكو وإيكروم، والتركيز على بناء القدرات والتنمية طويلة الأمد.

وأشارت معاليها إلى أن هذه الشراكات أسهمت في تنفيذ مبادرات واقعية، مثل سفر فريق إلى بغداد عام 2018 ووقوع اتفاقية أسهمت في تدريب أكثر من 7000 مهني عراقي ودعم فرص عمل لأكثر من 3000 شخص، وهو أثر مستدام يتنامى، وهو النموذج الذي تسعى الإمارات إلى تطبيقه في أماكن أخرى مستفيدة من الخبرة المحلية والدولية.

ولدى سموّ رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، أضفت المرونة الاستثنائية للنظام الحكومي في دبي قوة على منظومتها الثقافية. فبعد صياغة الاستراتيجية الثقافية، اجتمع صانعو القرار لسد الثغرات وتطويرها ثم رفعوها إلى سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم لاعتمادها، وهو ما يعكس نظاماً واضحاً يقوم على المرونة والثقة المتبادلة.

وشدّدت سموها على أن الرؤية تحددها القيادات العليا، لكن الاستراتيجية تبنى من القاعدة وتستنير بتطلعات المجتمع الإبداعي، وأن تعزيز الواقعية والمرونة يمكّنان الفريق من العودة إلى القيادة وتعديل التوجه عند الحاجة وتقديم النتائج بصورة فورية.

التجربة الدافعة والإنسُانية وراء التعاون الدولي

روت معالي نورة الكعبي قصة شخصية عن تواصلها مع سمو الشيخة لطيفة خلال أسبوع دبي للتصميم، حيث أدهشها عمق تفاعلها مع كل جناح وكل فنان وكل طالب وموهبة. وكانت أسئلتها دقيقة وملهمة، وأكدت أنها تشعرت بإيجابية في تفعيل الأفكار فوراً، سواء كانت مبادرات كبرى أو أموراً بسيطة ومعبرة.

وأشارت إلى أن جائحة كوفيد-19 أبرزت كيف تأثرت القطاعات الإبداعية بالإغلاق، فقرّرنا إعادة توجيه الميزانيات من الفعاليات والتسويق لإنشاء برنامج دعم فريد للمبدعين في المنطقة، لأنه لم يكن خياراً انتظار العودة إلى الوضع السابق. هذا التوجيه أكد ضرورة وجود استراتيجية مدروسة وتفعيلها، مع التأكيد على أن الناس هم جوهر أي استراتيجية وبدونهم لا تتحقق أهدافها.

ولفتت مينا العريبي إلى أن دبي تحتضن عدداً من المتاحف المميزة، من بينها متحف المستقبل الذي يعكس جوهر موضوع المؤتمر، وتساءلت عن كيفية أن تساهم تجربة دبي في صياغة رؤية لمستقبل المتاحف. فأجابت سموها بأن شباب اليوم يحملون ثقافة عالمية وفي الوقت نفسه فخرهم بالهوية المحلية وأصلهم الثقافي، وأن المتاحف يجب أن تعكس هذا التوازن، فالجمال في عالمنا يتجلى بتفوق ثقافتنا وتفهُّم تشابهاتنا مع الآخرين مع استغلال اختلافاتنا كفرص لتعميق الفهم المتبادل.

وأكّدت سموها أن على الدول والمؤسسات الثقافية الاحتفاء بخصوصياتها الثقافية وإبرازها بأساليب أصيلة، مشيرة إلى أن الإمارات من الدول التي تعاش فيها التقاليد وتُمارَس يومياً، لا كرموز من الماضي بل كجزء من الحياة العصرية.

وعند سؤال سموها عن رؤية الثقافة من منظور الأبناء والجيل الجديد، استذكرت زيارتهم لمتحف المستقبل وقالت إن انبهارهم بعالم التكنولوجيا وفضولهم لاكتشاف ذواتهم وهوية جذورهم أكد لها أهمية الاستمرار في إبراز ثقافتنا كمرتكز لحياتهم اليومية وتكوين مستقبلهم.

التعاون بين القطاعين العام والخاص وتحويل الأفكار إلى واقع

أوضحت مينا العريبي أن الدبلوماسية الثقافية في دبي لا تقف عند العلاقات بين الحكومات والمدن فحسب، بل تزدهر أيضاً عبر شراكة فعّالة بين القطاعين العام والخاص. وفي دبي، يَظهر دور القطاع الخاص قيادياً في مشاريع كبيرة مثل “متحف دبي للفنون”، وهو مثال على اتساع المنظومة الثقافية وتفاعلها مع المجتمع. سألَت العريبي عن كيفية نشوء هذا النهج وتأثيره، فأكّدت سمو الشيخة لطيفة أن هذا التوجه نابع من رؤية قيادية استثنائية، وأن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يحرص على العمل جنباً إلى جنب مع القطاع الخاص، وتعاون مع القطاع الإبداعي في مبادرات استراتيجية ترسم مستقبل المدينة وتضمن له دوراً فعالاً في صنع القرار. كما أشارت إلى أن القطاع الخاص يمتلك رغبة كبيرة في المساهمة ولكنه يحتاج إلى مسار واضح وتوجيه مستمر.

وقالت سموها: كجهة حكومية، نلتزم بتمكين القطاع الخاص والصناعات الإبداعية من الازدهار؛ فالإبداع ينمو في دبي من الناس أنفسهم. لا نهدف إلى فرض اتجاه محدد بل إلى تهيئة بيئة للنمو، وإزالة العوائق، وتقديم الدعم والشراكات حين يحتاجه المبدعون ورواد الأعمال، هكذا تتحول الأفكار إلى واقع ذي أثر مستدام.

اختتمت سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم الجلسة بالتعبير عن أملها في أن يحفظ الضيوف ذكرى هذا الحدث وروح الافتتاح التي تتميز بها دبي، وأن تبقى هذه التجربة راسخة في ذاكرتهم.

مقالات ذات صلة