رئيس التحرير: حسام حسين لبش
مدير التحرير: علي عجمي

«الرباعية الدولية».. الإمارات تواصل جهودها المستمرة لوقف النزيف السوداني

شارك

يعيش ملايين الأبرياء من أبناء الشعب السوداني مأساة متجددة منذ اندلاع النزاع المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتهدد الحرب بانقسام السودان وتفكك مؤسساته في أخطر أزمة تمر بها البلاد منذ الاستقلال.

برزت دولة الإمارات العربية المتحدة كركيزة فاعلة في الرباعية الدولية المعنية بالسودان وتحركت بجهد مستمر نحو وقف لإطلاق النار وإطلاق مسار سياسي يحفظ وحدة السودان واستقراره.

جمعت الجهود الإماراتية بين التحرك السياسي والالتزام الإنساني من خلال دعم جهود جدة ومشاركتها في الاجتماعات الرباعية في واشنطن، إضافة إلى إطلاق جسر إغاثي عربي وتقديم مئات الملايين من الدولارات كمساعدات طارئة.

دور محوري

يرى محللون وخبراء في الشؤون الأفريقية أن الإمارات لعبت دوراً محورياً في نقل الجهود من مرحلة البيانات السياسية إلى خطوات عملية قابلة للتنفيذ، والدفع نحو صياغة خارطة طريق لبدء هدنة إنسانية تمهّد لوقف دائم لإطلاق النار مقرونة بآليات مراقبة وتتبّع التمويل والسلاح.

كما عملت الدبلوماسية الإماراتية على تنسيق مواقف الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة، بما فيها الاتحاد الأفريقي وإيغاد، لتوحيد الجهود الرامية إلى تثبيت التهدئة وتهيئة بيئة مناسبة للحوار السوداني-السوداني.

هذا التوجّه العملي أسهم في تحقيق توافق أولي حول مقترح هدنة إنسانية ميدانية، اعتبره مراقبون مقدمة حقيقية لاستئناف العملية السياسية.

دعم إنساني وتحرك دبلوماسي

وبحسب تقديرات خبراء المساعدات الدولية، نجحت الإمارات في ترسيخ نموذج يدمج الدعم الإنساني والتحرك الدبلوماسي عبر آليات رقابة ميدانية تضمن وصول المساعدات.

ومنذ اندلاع النزاع تجاوزت قيمة المساعدات الإماراتية المباشرة وغير المباشرة 600 مليون دولار، شملت جسرًا جويًا إغاثيًا متواصلًا، وإطلاق مبادرات غذائية وطبية عاجلة، إلى جانب دعم برامج الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية العاملة داخل السودان وفي دول الجوار المستضيفة للنازحين.

وتؤكد هذه السياسة أن العمل الإنساني ليس عملاً موازياً للجهد السياسي بل جزءاً منه، بما يخلق بيئة ضاغطة على الأطراف المتحاربة لوقف النار وتسهيل عبور المساعدات بأمان.

وقد ربطت الإمارات بين الدعم الإنساني ووقف النار باعتبار أن استمرار القتال يشكّل عائقاً أمام وصول الغذاء والدواء إلى المدنيين، فأعلنت حزمًا تمويلية كبيرة مع تخصيص شق رقابي لتعزيز الشفافية في التوزيع.

هذا الربط بين البُعدين يظهر أن نهج الإمارات لا يقتصر على رفع المساعدات بل على إحداث بيئة ضاغطة عملية لضمان التهدئة.

لكنّ التحديات القانونية والإعلامية لم تغِب عن المشهد، إذ انطلقت اتهامات بوجود دعم لوجستي أو تمويلي من جهات عربية للسودان، فكان رد الإمارات بالتزامها بالشفافية وطلب فتح تحقيقات مستقلة.

ويرى بعض المحلّلين أن هذه الشفافية والاستجابة تعزز مصداقية الإمارات كوسيط موثوق ومشارك بناء.

معادلة عربية دولية معقدة

يوضح الدكتور أشرف سنجر أن السودان يعيش اليوم في لحظة تاريخية معقَّدة، خاصة في إقليم كردفان حيث يتصاعد القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما يعكس هشاشة البنية العسكرية والسياسية بعد سقوط النظام السابق.

ويؤكد أن الأزمة تتجاوز صراعاً على السلطة؛ إنها مواجهة بين أبناء وطن واحد تختلف رؤاهم لمستقبل السودان، فكل طرف يرى أنه الأقدر على إعادة بناء الدولة وفق قناعاته.

ويشير إلى أن الانقسام العسكري والمؤسسي الذي أحدثه تمدد قوات الدعم السريع شكّل أحد أبرز التحديات أمام الجيش النظامي، فبينما لا تتكافأ القوة النظامية مع تشكيلات الدعم، فإن توازنات الصراع أضعفت قدرات الدولة المدنية والعسكرية.

ويضيف أن استمرار القتال بهذا الوتيرة ينذر بكارثة إنسانية إذ تجاوز عدد النازحين 11 مليوناً وفرّ 3 ملايين سوداني إلى الخارج، وهو ما يجعل الأزمة ذات طابع إنساني يمس البنية الاجتماعية والإقليمية للدول المجاورة، وعلى رأسها مصر.

يعدّ التحرك العربي بقيادة الإمارات والسعودية ومصر وبشراكة مع الولايات المتحدة شكلاً محورياً في محاولة وقف النزيف السوداني، ويذكّر بإعلان جدة الذي أُطلق في مايو 2023 وبدأ تنفيذه في 22 مايو من العام نفسه كإطار عملي لإرساء هدنة إنسانية، رغم بعض انتكاسات الالتزام.

يوضح أن الرباعية العربية – الدولية اجتمعت لاحقاً في واشنطن بحضور مبعوث الشؤون الأفريقية الأمريكي، لمواصلة الضغط بهدف وقف إطلاق النار وتسهيل إيصال المساعدات ووقف تدفق السلاح، معتبراً هذا التنسيق دليلاً على إرادة مشتركة لإنقاذ السودان من الانقسام الكامل.

ويشدد أستاذ السياسات الدولية على أن الجهد الإماراتي والمصري والسعودي ليس تحركاً نفعياً أو مصلحياً كما يروّج البعض، بل يأتي من إدراك عميق لخطورة تفكك السودان على الأمن القومي العربي والإقليمي، وتؤكد التعاملات العربية-الأمريكية في هذه الأزمة وجود إرادة لعودة الدبلوماسية التوافقية إلى المنطقة.

ويرى الخبراء أن التحرك المشترك يجعل من الإمارات مثالاً في المساهمة البنّاءة ضمن الرباعية مع تعاون واشنطن، ما يعزز إمكانية تحويل وقف النار إلى مسار سياسي شامل يقود إلى دولة سودانية موحدة ومستقرة.

المخرج والملاذ

ويؤكد الدكتور أحمد فؤاد أن الإمارات، بتوافقها الدائم مع القاهرة والرياض، ترى في الحل السياسي مخرجاً وملاذاً للشعب السوداني، وتصرّ على أن تقليل معاناة المدنيين من خلال وقف القتل والتجويع هو أولوية مطلقة لأنها تقطع الطريق على مخططات تقسيم السودان.

ويضيف أن التقسيم المحتمل للسودان سيكون له ارتدادات سلبية على الإقليم باستمرار، منها وجود لاجئين غير شرعيين يؤثرون في استقرار الدول المجاورة ويضغطون على الموارد.

ويلاحظ أن الإمارات ومصر كثَّفتا جهودهما لإبرام وقف إطلاق نار بات في المتناول ثم العمل على تثبيته لمدّة قد تصل إلى تسعة أشهر، تمهيداً لمفاوضات جادّة لإنهاء الحرب بالكامل في السودان.

ويشير إلى أن تجارب التقسيم السابقة في جنوب السودان ليبيا وسوريا تُظهر أن الأغلبية في السودان ودول الجوار تعمل بوتيرة أقوى على إنجاز وقف النار والانخراط في مفاوضات جدّية، لأن الأوضاع الاقتصادية والأمنية في الدول المتأثرة تعاني وتواجه مخاطر خارجية بسبب weakness الجبهة الداخلية وسهولة اختراقها.

إدانة الجرائم بحق المدنيين

ويرى الدكتور أن الإمارات ومصر متفقتان على إدانة الجرائم بحق المدنيين والانتهاكات المتكررة، وتدركان إمكانية تحقيق تقدم قريب عبر الآلية الرباعية المقبولة من جميع الأطراف، وهو ما ساهم في استمرار عودة السودانيين من مصر إلى السودان حتى مع المعارك الأخيرة.

ويخلص إلى أن التفاؤل يتزايد مع زيادة وتيرة الاتصالات والبحث عن توسيع نطاق الرباعية ليشمل قطر وبريطانيا، مع فتح الممرات الإنسانية وتسهيل وصول المساعدات إلى المتضررين.

مقالات ذات صلة