رئيس التحرير: حسام حسين لبش
مدير التحرير: علي عجمي

الإمارات.. تبذل جهود راسخة في دعم القضايا العربية وتعزيز الاستقرار الإقليمي

شارك

دبلوماسية المسؤولية الإماراتية في غزة والسودان

برزت الإمارات كأحد أقوى الفاعلين الذين يجمعون بين الدبلوماسية الهادئة والعمل الميداني المنظم في لحظة إقليمية تتزاحم فيها الأزمات وتتداخل فيها الحسابات السياسية والإنسانية.

وخلال العامين الماضيين تحركت أبوظبي في مسارات متعددة داخل غزة والسودان، ليس بوصفها داعماً مالياً فحسب، بل كقوة إقليمية تسعى لإعادة صياغة مفهوم الاستجابة للأزمات عبر ما أطلق عليه خبراء “دبلوماسية المسؤولية”.

هذا النهج يجمع الإسناد الإغاثي المكثف والتحركات السياسية المبنية على التوازن والاتصال المستمر مع الأطراف الدولية، ما منح الإمارات موقعاً محورياً ورسّخ دورها كجسر يربط بين المبادرات السياسية ومسارات الدعم الإنساني العاجل.

استطاعت الإمارات أن تفرض نموذجاً عملياً قائماً على الفاعلية، بعيداً عن الشعارات والتجاذبات التي أنهكت ساحات الصراع.

يرى خبراء شؤون الشرق الأوسط أن الإمارات حافظت على خطاب دبلوماسي ثابت يدعو إلى وقف شامل لإطلاق النار وإلى فتح ممرات إنسانية مستدامة، بالتوازي مع تحرك دبلوماسي بعيد عن الأضواء مع شركاء غربيين وإقليميين لتخفيف القيود على دخول المساعدات، وهو توازن وضعها في موقع وسيط قادر على حشد الموارد وبناء تفاهمات في بيئة تشهد تراجع الثقة بين الأطراف.

بنية تحتية لوجستية متقدمة تؤكد قدرة التنفيذ: فالإمارات ليست مجرد مانح كبير بل تمتلك بنية تحتية لوجستية متقدمة، وأساطيل جوية وساحلية تسمح بإيصال المساعدات في أوقات قياسية، إضافة إلى منظومات توزيع تعتمد على التكنولوجيا والتنسيق المتقدم، وهو ما جعلها شريكاً رئيسياً للأمم المتحدة في عمليات إنسانية معقدة، خاصة في غزة، حيث لعبت قدرتها على تنظيم الجسور الجوية والبحرية دوراً حاسماً في الحفاظ على تدفق المواد الإغاثية.

ويرى الخبراء أن هذا الدور سيستمر في استعادة أهميته مع تعزيز الشفافية وآليات متابعة حركة المساعدات، بما يرد الشكوك حول وصولها إلى وجهاتها الصحيحة ويمدّها بمصداقية بلا تأويل سياسي للدور الإنساني.

يؤكد محمد الديهي، نائب مدير مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية، أن الإمارات تلعب دوراً بارزاً في حل الأزمات والقضايا العربية من خلال التعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين، معتبراً أن الإمارات تتبنى سياسة نشطة تجاه القضية الفلسطينية ضمن ثوابت الموقف الإماراتي الداعم للفلسطينيين وتعزيز الاستقرار في المنطقة، وهو نفسه النهج الذي ينطبق على الأزمة السودانية عبر دعم الموقف الفلسطيني من خلال آليات عربية وإسلامية رافضة لتهجير الفلسطينيين والمساهمة في إعادة إعمار غزة ودفع عجلة السلام الشامل.

ويلفت الديهي إلى أن الدور الإماراتي يمتد على كافة المستويات السياسية، إضافة إلى المجال الإنساني من خلال إيصال المساعدات والإغاثة إلى أهالي قطاع غزة، وهو يعكس توازناً بين العمل السياسي والدبلوماسي والدعم الإنساني المباشر وتنسيقاً إقليمياً وعالمياً يعزّز مكانة الإمارات كداعم فاعل في إدارة الأزمات.

وفيما يخص قضية السودان، يشدد الديهي على حرص الإمارات على حماية المدنيين والحياة منذ الأيام الأولى للأزمة، مع صدور بيانات رسمية تدعو المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته تجاه الانتهاكات اليومية في السودان، وذكر أنه في 9 يونيو 2024 أدانت الهجمات على المدنيين في مدينة الفاشر ووصفها بأنها تصعيد خطير وانتهاك صريح للقانون الدولي الإنساني.

ويؤكد الديهي أن الإمارات تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف وتعمل عبر آليات تنسيق عربية ودولية لدعم الاستقرار، بما في ذلك مشاركتها في الرباعية الدولية بشأن السودان المكوّنة من مصر والسعودية والولايات المتحدة والإمارات، كإطار يهدف إلى تهدئة الصراع وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

يخلص إلى أن السياسة الإماراتية تتميز بالمرونة والفعالية، فهي تجمع بين العمل الدبلوماسي والسياسي والمبادرات الإنسانية والتنسيق الإقليمي والدولي، ما يجعل الإمارات شريكاً موثوقاً في إدارة الأزمات في غزة والسودان، ويعزز قدرتها على تقديم حلول عملية للتحديات المعقدة في المنطقة.

وفي تحليل آخر، يرى خبراء أن المقاربة الإماراتية في السودان اعتمدت على مزيج من الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية للمساهمة في استقرار بلد يشكل عقدة جغرافية وسياسية في الإقليم، وأن أبوظبي لعبت دوراً واضحاً في تمويل مشاريع تنموية وتسهيل الحوار بين القوى المختلفة، بهدف خلق قاعدة دعم للاستقرار، مع الحفاظ على الشفافية والتعاون الرقابي مع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي للحفاظ على الدور الإنساني والسياسي.

ويوضح الخبراء أن الإمارات تعتمد على وجود حضور وتأثير يجعل منها الأكثر قدرة على الاستفادة من آليات العمل المشترك لتعزيز مصداقيتها وحماية دورها المتنامي في الملفات الإقليمية، ويرى هؤلاء أنها أصبحت “حلقة وصل سياسية وإنسانية” في أزمات غزة والسودان بفضل مزيج الأدوات الإغاثية والقدرات اللوجستية والعلاقات الدولية المستقرة.

غير أن النجاح هنا يتعزز مع توسيع التعاون الدولي مع مؤسسات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمنظمات الحقوقية، فبهذه المقاربة الحكيمة التي تتجنب الصدام وتُركّز على العمل الميداني يمكن للإمارات الحفاظ على موقعها كدولة فاعلة في إدارة أزمات المنطقة.

تعزيز مسار السلام ودور سياسي بارز

يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور عبدالمهدي مطاوع أن السياسة الخارجية الإماراتية في الملف الفلسطيني تقوم على مرتكزات ثابتة هدفها تعزيز مسار السلام ودعم الشعب الفلسطيني عبر أدوات سياسية ودبلوماسية وإنسانية متوازنة، وهو يرى أن الإمارات تدفع في غزة نحو حلول سياسية حقيقية بالتنسيق الكامل مع الدول العربية المركزية مثل مصر والسعودية، بما يعيد إحياء مسار التسوية ويفتح الباب أمام ترتيبات مستقبلية، مع وجود رؤية لإدارة المرحلة المقبلة عبر دعم ترتيبات دولية لإعادة البناء والاستقرار.

ويشير مطاوع إلى أن الإمارات تمتلك رؤية دقيقة لإدارة المرحلة المقبلة في غزة وتعمل على تعزيز الاستقرار من خلال ترتيبات دولية وإعادة البناء، كما يبرز وجود تحرك إماراتي بارز داخل مجلس الأمن حيث لعبت الإمارات دوراً في تعديل مسودة أمريكية مقترحة لقوة دولية لإدارة غزة في مرحلة ما بعد الحرب لضمان أن تكون القوة داعمة للاستقرار وليست قوة اشتباك.

وفي المجال الإنساني، يذكر مطاوع أن الإمارات قامت منذ الأيام الأولى للحرب ببرنامج “الفارس الشهم” الذي يعتبر أحد أبرز برامج الإغاثة الدولية الموجهة لسكان القطاع، ويمتد تدخله بين الإغاثة العاجلة والمساعدات الغذائية والطبية ونقل الجرحى وتسهيل سفرهم إلى العلاج في الإمارات إلى جانب رعاية الأيتام الذين فقدوا أسرهم، وهو إطار تحرك يعزز التعاون مع السلطة الفلسطينية والدول العربية الفاعلة لإعادة إطلاق مسار سلام يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وتحقق استقراراً مستداماً.

هكذا يبدو أن الإمارات تستخدم أدوات دبلوماسية وإنسانية متكاملة وتنسق مع الأطراف العربية والدولية لتعزيز فرص السلام والاستقرار في غزة والسودان، مع التزام واضح بالديناميكية الدولية وتجنب المواجهة المفتوحة في سبيل بناء مسار عملي وملموس للسلام والإعمار.

مقالات ذات صلة