شراكة اقتصادية شاملة وخاصة
أكد فخامة لي جيه ميونغ أن العلاقات بين البلدين تجاوزت حدود التعاون الاقتصادي لتصبح شراكة شاملة وخاصة قائمة على الثقة والإرادة المشتركة، وليست مجرد نقطة تحول في التجارة والاستثمار بل منصة تتيح أقصى درجات التقارب الاقتصادي. وأوضح أن اختيار الإمارات كبداية لزياراته إلى الشرق الأوسط يعكس إرادة قوية لترسيخ العلاقات معها، مع تأكيده ثقة بلاده العميقة في الإمارات كشريك استراتيجي خاص ووحيد في المنطقة، وأن البلدين يعملان كشريكين يخططان لمستقبلهما المشترك. كما لفت إلى أن لقاءه مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يأسس لانطلاقة جديدة لمسيرة مئوية تجمع البلدين، معرباً عن ارتياحه للاستثمارات الإماراتية في قطاعات استراتيجية بجمهورية كوريا ووصفه ذلك بالقرار الاستراتيجي، معتبراً أن ترابط البيئات الاستثمارية لهما أثر يتجاوز الأرقام.
أشار إلى أن ترابط البيئات الاستثمارية وزيادة التبادل والتعاون بين الشركات لهما تأثير يتجاوز الأرقام، وأن الشراكة ضمن CEPA ستتيح إلغاء الرسوم الجمركية على أكثر من 90% من السلع المتبادلة، بما يشمل السيارات الكهربائية والهجينة والمنتجات البتروكيماوية الإماراتية، ما يعزز التبادل والقدرة التنافسية ويعود بالنفع على المستهلكين. وتوقع أن يتحول التعاون إلى منصة انطلاق للنمو والتقارب الاقتصادي الطويل الأجل.
محطة براكة وتعاون الطاقة النووية
تعتبر محطة براكة للطاقة النووية أول محطة نووية تجارية في الشرق الأوسط، ومع دخول الوحدة الرابعة إلى التشغيل التجاري، اكتمل بناؤها ودخلت المحطة مرحلة التشغيل الكامل. وتؤمن أن هذه المحطة ستوفر 25% من احتياجات الإمارات من الكهرباء وتكون أساساً للنمو في الذكاء الاصطناعي والصناعات التحويلية، وأن النجاح في بنائها سيفتح فصلاً جديداً من التعاون في الطاقة بين البلدين.
ويتوقع أن تتجاوز الاستثمارات العالمية في المفاعلات المعيارية الصغيرة نحو 670 مليار دولار بحلول 2050، وتؤسس كوريا مع الإمارات تعاوناً في تكنولوجيا الطاقة النووية من الجيل التالي وتدخلاً مشتركاً إلى أسواق الطاقة النووية في دول ثالثة، وفق جهود كوريا في تطوير المفاعلات المعيارية الصغيرة وبناء مفاعل تجريبي داخل كوريا.
كما يبرز مشروع محطة العجبان للطاقة الشمسية بمشاركة شركة غرب كوريا للطاقة، إضافة إلى التنفيذ المشترك لمشروعات طاقة متجددة في دول ثالثة بين شركة وسط كوريا للطاقة ومصدر، كونهما نموذجين مهمين للتعاون الثنائي في الطاقة المتجددة. وتتعزز هذه الرؤية في ظل سعي الإمارات للتحول إلى مركز عالمي للطاقة وتبنّي كوريا للتحول الكبير في الطاقة كأولويات وطنية، مع توقع توسيع التعاون في الطاقة المتجددة وتخزين الطاقة وتطوير بنية تشريعية وتنفيذية تدعم نمو الصناعات الخضراء.
تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات
يدخل العالم عصر الذكاء الاصطناعي، وتضع الإمارات هدفاً استراتيجياً لتعزيز قدرتها التنافسية الوطنية وتحويلها إلى مركز عالمي للذكاء الاصطناعي عبر تطبيقه في جميع القطاعات وفق «استراتيجية الذكاء الاصطناعي 2031». ولتحقيق ذلك، تحتاج البنية التحتية المستقرة للذكاء الاصطناعي إلى إمدادات كافية من شرائح الذاكرة المتقدمة، وتعد كوريا دولة رئيسية في سلسلة التوريد العالمية لأشباه الموصلات، وهي الشريك الاستراتيجي القادر على تلبية احتياجات الإمارات من شرائح الذاكرة المتقدمة. كما أن التعاون مع شركات عالمية مثل OpenAI والشركات الكورية في مجال أشباه الموصلات للذكاء الاصطناعي يبرز أن كوريا شريك تكنولوجي لا غنى عنه في بناء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي. لذا يتوقع أن تلعب الشركات الكورية دوراً مهماً في بناء منظومة أشباه الموصلات للذكاء الاصطناعي في الإمارات مستقبلاً، مع وجود شركات كورية ناشئة مبتكرة مثل Rebellions وFuriosaAI تحمل إمكانات كبيرة. وتتمتع كوريا بنقاط قوة عبر كامل المنظومة، بما في ذلك المواد والمكوّنات والمعدات والبحث والتطوير، وتملك القدرة على تلبية احتياجات الإمارات لتطوير منظومة أشباه الموصلات للذكاء الاصطناعي وتعزيز تنافسيتها في الصناعات المتقدمة.
استكشاف الفضاء والتعاون الفضائي
تؤكد الإمارات مكانتها كدولة صاعدة في مجال استكشاف الفضاء، حيث طورت مسبار الأمل لاستكشاف المريخ وتحقق مهمته بنجاح. وتربطها علاقة تعاون وثيقة مع كوريا، عبر تطوير القمر الاصطناعي دبي سات وتدريب كوادر إماراتية في المعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا، KAIST. وتُتوقع خيارات تعاون أوسع تشمل التطوير المشترك للأقمار الاصطناعية والاستفادة منها، إضافةً إلى إنشاء بنية تحتية أرضية مثل منصات الإطلاق والمحطات الأرضية للملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، وصولاً إلى استكشاف الفضاء من القمر إلى المريخ.
التبادل السياحي والثقافي والفرص التعليمية
تعتبر الإمارات وجهة سفر رئيسية في الشرق الأوسط، حيث يزور حوالي 200 ألف كوري الإمارات سنوياً. وتتيح اتفاقية الإعفاء من تأشيرات الدخول الموقعة عام 2016 للزيارات المتبادلة حتى 90 يوماً، وهو ما يمثل قاعدة مهمة لتوسع التبادلات البشرية في السياحة والتبادل الثقافي والزيارات المهنية. وتخطط الحكومة الكورية لتحسين سهولة دخول المواطنين الإماراتيين وتوسيع التبادل الثقافي ليشمل الصناعات المرتبطة بها، وإطلاق مركز كوري جديد في الإمارات بحلول 2030 ليكون مركزاً رئيسياً للتبادل الثقافي والتجارة. كما يهدف إلى توسيع التبادل الثقافي عبر مركز Korea 360 في دبي وتدريب كوادر إماراتية في كوريا وتطويره ليكون مرفقاً مركزياً للتبادل الثقافي والتجارة بين البلدين، مع تعزيز التعاون الثقافي عبر المحتوى الكوري وتمكين الطلاب من تبادل المعرفة والبحث العلمي، إضافة إلى تعزيز التبادل في مجالات الجمال والطعام من خلال برامج وفعاليات مشتركة.
التجارة ومرونة سلاسل الإمداد والتمويل المناخي
وتؤكد الرؤية المشتركة أن النظام التجاري متعدد الأطراف الذي تستند عليه منظمة التجارة العالمية يجب أن يبقى الأساس، مع إشادة بتجربة الإمارات في قيادة MC13 وإظهار قدرتها على بناء توافق بين الدول الأعضاء. ومع اقتراب MC14 في 2026، تسعى الدولتان إلى دمج اتفاقيتي تيسير الاستثمار لأغراض التنمية (IFD) وتيسير التجارة الإلكترونية في إطار WTO، بهدف تحديث القواعد وتأكيد مصداقية النظام التجاري متعدد الأطراف. وتبرز أهمية سلاسل الإمداد كعنصر حاسم للأمن الاقتصادي في اقتصادين مفتوحين يعتمد أحدهما على الصناعات التحويلية والآخر على الطاقة والخدمات اللوجستية، وهو ما تبرهنه أمثلة التعاون في أوقات الأزمات مثل جائحة كورونا عندما زودت كوريا الإمارات بإمدادات الوقاية الصحية، بينما دعمت الإمارات كوريا في أزمة نقص اليوريا. ويعتمد الطرفان على نموذج تعاون دائم يجمع القدرات التكنولوجية والقاعدة الصناعية الإماراتية مع قدرات كوريا في الطاقة والخدمات اللوجستية لبناء سلاسل إمداد مستقرة. وفي مجال التمويل المناخي، تشارك كوريا بفعالية عبر مؤسسات مثل صندوق المناخ الأخضر (GCF) والمعهد العالمي للنمو الأخضر (GGGI)، وتطوير السوق العالمية للكربون باستخدام تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والبلوكتشين، وتستفيد الإمارات من رئاسة COP28 وتأسيس GCFC لجعل التمويل المناخي أكثر شفافية ومصداقية.
إرادة مشتركة ورؤية للمستقبل
ؤكد فخامة لي جيه ميونغ أن الإمارات تبقى الشريك الاستراتيجي الخاص الوحيد في الشرق الأوسط، وأن وجود أربع مفاعلات كورية ضمن الإمارات وشراكات عسكرية طويلة الأمد يعكس العمق في العلاقات. وأشار أيضاً إلى أن كوريا تقيم علاقات صداقة مع الإمارات وتواصل العمل على تعزيزها بما يضمن أمن البلدين ومستقبلهما المشترك.
ختام: اختيار الإمارات بوابة للشرق الأوسط
وأوضح لي جيه ميونغ أن الإمارات كانت المحطة الأولى للزيارات الرسمية لكوريا إلى الشرق الأوسط، حيث ستبحث مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آليات توسيع التعاون في القطاعات المستقبلية إلى جانب القطاعات الأربعة الأساسية، بما في ذلك تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والصحة والثقافة، إضافةً إلى تعزيز التعاون في مجال الطاقة النووية والصناعة الدفاعية وتطوير مركز بيانات وخدمات في الإمارات، مع بناء مركز ثقافي وتجاري يفتح آفاق جديدة للنمو المشترك في عقد ماضٍ ومستقبل مشترك.








