تشير التقارير الصحية إلى أن الشعور المستمر بالجوع، المعروف علميًا بأنه البوليفاجيا، قد يكون مؤشرًا مبكرًا لاضطرابات في تمثيل الغذاء وتنظيم الهرمونات. وترتبط هذه الحالة عادةً بعوامل متعددة، مثل اضطراب النوم أو مشكلات الغدة الدرقية أو تأثيرات بعض الأدوية. كما قد يستمر الإحساس بالجوع رغم تناول وجبة مشبعة، ما يستدعي التقييم الطبي إذا تكرر ذلك.
يؤكد الخبراء أن السبب ليس واحدًا بل مسارات متعددة قد تتقاطع. يظهر ذلك عندما ترتفع أو تنخفض مستويات السكر في الدم بشكل غير متوازن، أو عندما تتأثر هرمونات الشهية مثل الجريلين واللبتين بسبب قلة النوم والضغوط اليومية. في هذه الحالات، قد يصعب التحكم في الرغبة في تناول الطعام رغم الامتلاء. يتطلب ذلك فحصاً طبياً دقيقاً لاكتشاف الاضطرابات الكامنة وتحديد العلاج الأنسب.
اضطرابات الغلوكوز وتأثيراتها
يعد اضطراب الغلوكوز من أبرز الأسباب للشعور المستمر بالجوع. إذ يمكن أن يعجز الجسم عن إيصال الجلوكوز إلى الخلايا في بعض الحالات، فيشعر الدماغ بنقص الطاقة رغم وجود الطعام. وترافق هذه الحالة غالباً عطش شديد وتكرار في التبول وفقدان وزن غير مبرر وتشوّهات في الرؤية. كما قد يظهر انخفاض سكر الدم لدى مرضى السكري أو عند وجود أمراض الكبد أو الغدة الكظرية أو أورام البنكرياس المنتجة للأنسولين، مع جوع حاد وارتجاف وتعرق وخفقان سريع وأحياناً ارتباك في التوازن.
انخفاض سكر الدم
يحدث انخفاض سكر الدم عندما ينخفض مستوى الجلوكوز إلى ما دون المعدل الطبيعي، وهو ما قد يصيب مرضى السكري أو أشخاصًا لديهم أمراض في الكبد أو الغدة الكظرية أو أورام البنكرياس المنتجة للأنسولين. في هذه الحالة يشعر المريض بجوع حاد ويرافقه ارتجاف وتعرق وخفقان سريع وأحياناً اضطراب في التوازن. يستجيب الجسم عادة بتناول مصادر سكر بسرعة لإعادة التوازن، ويظل التقييم الطبي ضرورياً لتحديد السبب وخيارات العلاج المناسبة.
قلة النوم وتأثيرها الهرموني
تؤثر قلة النوم على الطاقة وتعبث بآليات تنظيم الشهية. إذ يزداد إفراز هرمون الجرلين الذي يحفز الجوع، بينما ينخفض هرمون اللبتين الذي يمنح الشعور بالشبع. وعندما تقل ساعات النوم عن الحاجة، يميل الشخص إلى تناول أطعمة غنية بالدهون والسكر، ما يؤدي غالبًا إلى زيادة الوزن وتقلب المزاج. لذا يعد تنظيم النوم جزءًا مهمًا من إدارة الجوع المستمر وإعادة التوازن الهرموني.
الضغط النفسي
عند تعرض الشخص للضغط والتوتر يفرز الجسم كميات مرتفعة من الكورتيزول، وهو هرمون يساعد على التعامل مع الضغوط لكنه يفتح الشهية. يلجأ كثير من الناس خلال فترات القلق إلى أطعمة دهنية أو حلوة لأنها تمنح راحة سريعة، رغم أن هذا المسلك يزيد مخاطر البدانة واضطرابات سكر الدم. تتطلب هذه الحالة تطبيق استراتيجيات تنظيم التوتر ونمط حياة يساعد في تقليل الرغبة في الأكل غير الضروري. كما أن التوازن النفسي يسهِّل التحكم في الإشارات الغذائية على المدى الطويل.
النظام الغذائي غير المتوازن
الأطعمة فقيرة البروتين أو الألياف تشعر بالشبع لفترة أقصر، فيما تساهم مصادر البروتين الخفيفة مثل اللحوم البيضاء والأسماك ومنتجات الألبان في تثبيت الشهية. كما أن وجود الخضراوات والبقوليات والحبوب الكاملة يعزز الشعور بالشبع ويفيد في استقرار مستويات الطاقة. الدهون الصحية الموجودة في المكسرات وزيوت السمك تساهم في تنظيم الإشارات الحيوية المرتبطة بالجوع. بالمقابل، تكرار تناول المأكولات السريعة والمعجنات والمشروبات الغازية يؤدي إلى تقلبات سكر الدم وعودة الجوع بسرعة.
الأدوية وتأثيراتها الجانبية
بعض الأدوية قد تزيد الشهية بشكل مباشر، مثل مضادات الاكتئاب من فئة SSRIs، وبعض الستيرويدات، إضافة إلى أدوية الحساسية والأنسولين. من المهم إبلاغ الطبيب عند ملاحظة زيادة غير مبررة في الرغبة في الأكل بعد بدء دواء جديد، فقد يقترح الطبيب خياراً علاجياً بديلاً لا يسبب هذا الأثر. يحدد الطبيب الخيار العلاجي بناءً على الفوائد والمخاطر واحتياج المريض، بهدف الحفاظ على التوازن الغذائي والصحي.
الحمل
خلال الحمل يزداد احتياج الجسم للطاقة لبناء أنسجة الجنين، فيرتفع الإحساس بالجوع بشكل طبيعي خاصة في الثلثين الثاني والثالث. عادةً ما يرافق ذلك تغيّرات في التمثيل الغذائي وشعور بالغثيان وتطور في حجم الثديين، وكلها مؤشرات فسيولوجية طبيعية. يجب متابعة الرعاية الطبية لضمان تلبية الاحتياجات الغذائية للأم والجنين مع الحفاظ على صحة الأم وتوازنها العام.
اضطرابات الغدة الدرقية
فرط نشاط الغدة الدرقية يؤدي إلى زيادة معدل الأيض، فيحرق الجسم الطاقة بسرعة ويدفع إلى تناول كميات أكبر من الطعام. كما يترافق مع تعرّق وخفقان بالقلب وتوتر وفقدان وزن رغم الشعور بالجوع. يشكل التشخيص المبكر والعلاج المناسبان إطاراً لتحسين الطاقة والتحكم في الأعراض وعودة التوازن الحيوي إلى طبيعته.
خداع المشروبات الصناعية
المحليات الصناعية في المشروبات الغازية قد تمنح طعم الحلاوة دون السعرات، فيبدأ الدماغ بطلب الطاقة المفقودة من خلال الجوع. تشير بعض الدراسات إلى ارتباط الإفراط في استهلاك هذه المشروبات بزيادة الوزن على المدى البعيد. بالتالي يُنصح باختيار بدائل صحية وتقليل الاعتماد على المشروبات المحلاة صناعيًا قدر الإمكان.
العطش المتخفي كجوع
أحيانًا لا يكون الإحساس بالجوع حقيقيًا بل يكون العطش وراءه، فالتشابك بين إشارات الجوع والعطش في الدماغ يربك الاستجابة. يساعد شرب كمية كافية من الماء قبل الوجبات في تقليل الرغبة الملحة وتقليل الإفراط في الطعام. عند استمرار الإحساس بالجوع رغم الترطيب المناسب، يوصى باستشارة الطبيب لتقييم الترطيب والصحة العامة وتحديد الأسباب المحتملة.








