تأتي مسرحية “روزمارِي”، من كتابة إيلي مكرزل وإخراج شادي الهبر، وبطولة بياريت قطريب ومايا يمّين، كواحدة من أبرز إنتاجات مسرح شغل بيت، لتشكّل محطة فنية تُعيد ترتيب العلاقة بين المتفرّج والخشبة، وتقدّم تجربة تتجاوز حدود العرض التقليدي نحو مساحة شعورية كاملة.
من اللحظة الأولى، يضع العمل جمهوره داخل عاصفة داخلية من الأحاسيس. مايا يمّين تقدّم أداءً مُتقنًا يتأرجح بين هشاشة الإنسان وقوّته، فيما تمنح بياريت قطريب الدور حضورًا طاغيًا يجمع بين البراعة والصدق، لتصنع لحظات مسرحية دقيقة تُضحك وتُربك وتُبكي في آنٍ واحد.
“روزمارِي” لا تبحث عن الإبهار بقدر ما تبحث عن الحقيقة. الكوميديا السوداء ليست زينة، بل أداة تفكيك تفتح بابًا على الألم وتعيد صياغته بلغة قريبة من الحياة. الجمهور يجد نفسه داخل نصّ يشبهه، مكتوب ببساطة ناضجة تلتقط التفاصيل الصغيرة التي نعيشها ونخشى الاعتراف بها.
الرؤية الإخراجية لشادي الهبر تمنح العمل إيقاعًا متماسكًا ونَفَسًا إنسانيًا واضحًا. كل حركة محسوبة، وكل لحظة مدروسة، وكل صمت يملأ الخشبة كأنه امتداد لروح الشخصيات. الإخراج هنا ليس إضافة، بل شريك أساسي في بناء الحالة.
الإضاءة بدورها تُستخدم كوسيلة تعبيرية دقيقة، تتحوّل من دفء إلى برودة، من حدّة إلى نعومة، لتكشف حالات الشخصيات وتعمّق الشعور الذي يرافق كل مشهد. إنها لغة بصرية تسهم في رسم الجو الداخلي للعرض.
وعندما يبكي الممثل على الخشبة، فذلك ليس استعراضًا لقدرة أدائية، بل نتيجة انفعال حقيقي يولّده النص والموقف، ما يجعل لحظة التواصل بين الممثلات والجمهور في أعلى مستوياتها.
“روزمارِي” في نهاية المطاف ليست عملًا للمتابعة فقط، بل تجربة للعيش. تجربة تثبت أن المسرح، حين يحضر بصدق، يقدّم عرضًا… بل يفتح نافذة على الإنسان.








