يتضح أن الاكتئاب ليس مقتصرًا على البالغين فحسب، بل قد يصيب الأطفال حديثي الولادة أيضًا. تشير الدراسات إلى أن الاضطرابات المزاجية قد تظهر مبكرًا عند مولودين جدد رغم قلة الوعي بها في المجتمع. يلاحظ أن مثل هذه الاضطرابات قد تؤثر في تطور الدماغ خلال السنوات الأولى من حياة الطفل.
عوامل مبكرة للإصابة
تشير أحدث النماذج الطبية إلى وجود علاقة مباشرة بين بيئة الرحم ومراكز المزاج في الدماغ. من أبرز العوامل ارتفاع شديد لهرمونات التوتر عند الأم أثناء الحمل مثل الكورتيزول، الذي يخترق المشيمة ويؤثر في الجهاز الحوفي للمولود. كما أن تعرض الأم لصدمة نفسية أو اكتئاب أو صراعات أسرية حادة خلال الثلث الأخير من الحمل يسهم في ذلك. نقص الإمداد الدموي للمخ داخل الرحم قد يؤدي لضعف نضج المسارات العصبية الخاصة بالانفعال.
تشير العوامل المرتبطة بالولادة نفسها إلى أن الولادة المتعسرة أو الممتدة لفترة طويلة ترتبط بزيادة التوتر العصبي للمولود. انخفاض الأكسجين أثناء الولادة واستخدام أدوات الولادة مثل الشفاط أو الجفت قد يسهم في ذلك. الانفصال المبكر عن الأم بعد الولادة بسبب الرعاية المركزة يعد من العوامل المؤثرة في مزاج المولود. هذه العوامل قد ترفع مخاطر اضطراب الانفعال خلال الشهور الأولى.
عوامل ما بعد الولادة تؤثر أيضًا في مزاج الرضيع، فغياب التواصل البصري واللمسي بين الأم والطفل في الأيام الأولى يسهم في ظهور اضطرابات المزاج. اضطرابات الرضاعة والبيئة المنزلية غير المستقرة أو الضوضاء المستمرة قد ترفع مستويات التوتر لدى الرضيع. إصابة المولود بمشاكل طبية مبكرة مثل الصفراء الشديدة أو عدوى حديثي الولادة قد تساهم في ظهور اضطرابات الانفعال.
مفهوم الاضطرابات والانفعالات لدى المولود
أكّد أستاذ الطب النفسي أن الأبحاث في علم النمو والطب النفسي التطوري تشير إلى أن المولود قد يظهر أنماطًا مماثلة لاضطرابات المزاج نتيجة عوامل بيولوجية وهورمونية مبكرة، ويُطلق على هذه الحالة اختلال الانفعال عند المولود. تشير النماذج المعتمدة إلى وجود ارتباط بين عوامل داخل الرحم وعوامل الولادة والبيئة المحيطة بعد الولادة في بروز هذه الأنماط. تظل هذه الظاهرة موضوع بحث عالمي يركز على تأثيرها العميق في تطور الدماغ خلال السنوات الأولى من الحياة.
اعتمادًا على نماذج تحليلية من مراكز طب حديثي الولادة حول العالم، يقدر أن 4–6% من الأطفال حديثي الولادة قد يمرون بدرجات متفاوتة من اضطراب الانفعال المرتبط بالمزاج خلال أول 3 أشهر. وحوالي 1% فقط تتطور حالتهم إلى أعراض تشبه الاكتئاب الطفولي الواضحة. وتبين الإحصاءات أن 70% من الحالات ترتبط بعامل نفسي–هرموني متعلق بالأم خلال الحمل. ويرتبط 40% من الأطفال الذين يتعرضون لصدمات الولادة بظهور اضطرابات انفعالية خلال السنة الأولى.
أعراض الاكتئاب عند المولود
تشير الأعراض إلى وجود انخفاض واضح في نبرة البكاء مقارنة بالرضع الطبيعي. قد يظهر ضعف في الاستجابة للمؤثرات مثل عدم الالتفات للصوت وعدم التفاعل مع وجه الأم. يظهر اضطراب النوم كأنما نوم متقطع جدًا أو مستمر لفترة طويلة مع صعوبات الإيقاظ. يبدو الطفل خاملاً وبطيئًا في الحركة مقارنة بالأطفال في عمره.
كما قد تتضمن الأعراض اضطرابات في الرضاعة مثل فقدان الشهية ورفض الرضاعة. قد تظهر تغيرات في ملامح الوجه وتعبيرات قليلة الانفعالات. وتظهر زيادة إفراز هرمونات التوتر عبر برودة الأطراف، تعرق مفاجئ، ورعشة خفيفة.








