تُشير الدراسات إلى أن نوبات الغضب عند الأطفال ليست مجرد عصبية عابرة بل لغة نفسية تكشف عن حاجة داخلية لم يفهمها الأهل بعد. وتبين أن نحو 1 من كل 5 أطفال يظهرون نوبات غضب متكررة مصحوبة بصعوبات في التنظيم الانفعالي، وأن 40% منهم لا يتم تشخيصهم مبكرًا، مما يؤدي إلى مضاعفات سلوكية لاحقة. وهذه النوبات قد تبرز كاستجابة لارتفاع مفرط في الحساسية العصبية، أو لتراكم ضغوط يومية بسيطة، أو لقلق غير مشخص. فهمها يساعد الأهل على تلبية الاحتياجات الأساسية للطفل بدلاً من رؤية الغضب كتصرف خارج عن السيطرة.
الأسباب النفسية الأساسية
توصل الخبراء إلى أن عدة عوامل نفسية تساهم في ظهور الغضب السريع لدى الأطفال. أولا، حساسية الجهاز العصبي المرتفعة تجعل الدماغ يعامل المثيرات كتهديدات فورية، ما ينتج نوبات غضب مفاجئة وبكاء سريع. ثانيا، نقص مهارات التنظيم الانفعالي يترك الطفل أسيرًا لمشاعره عندما تغيب نماذج التهدئة في البيت. ثالثًا، تراكم الضغوط اليومية البسيطة مثل إزعاج الأخوة والواجبات المدرسية والروتين يؤدي إلى انفجار غضب عند الطفل.
رابعًا، القلق غير المشخص يجعل الخوف يتبدل إلى غضب مع أرق وتردد ورفض للذهاب إلى المدرسة وشكاوى جسدية بلا سبب عضوي.
علامات الخطر وتقييم الحاجة للمساعدة
يصبح الغضب خطيرًا إذا تكرر أكثر من ثلاث نوبات يوميًا لمدة شهر متواصل، واستمرت أحيانًا أكثر من 15 دقيقة، واستخدم العنف الجسدي أو إيذاء الذات. كما قد يصاحب النوبة تغيّر ملحوظ في النوم أو الشهية أو الأداء الدراسي، ما يستدعي تقييمًا طبيًا ونفسيًا متخصصًا. وتزداد المخاطر إذا كان الغضب مرتبطًا بصدمة سابقة مثل التنمر أو تغيير المدرسة أو فقدان أحد الوالدين أو مشاهدة مشاهد عنف، وبالتالي يصبح من الضروري اللجوء إلى المختصين للمساعدة.
استراتيجيات عملية لإدارة الغضب
تقدم هذه الإرشادات إطارًا عمليًا لمساعدة الطفل على التحكم في الغضب قبل انفجاره. تبدأ القاعدة الأساسية بانتظار 90 ثانية لتنظيم الغضب، حيث يترك الطفل ليهدأ دون تقديم نصائح أو توجيه بل يكون وجودك بجانبه مطمئناً. ثم يقال له عبارة “أنا سامعك” لتأكيد الشعور بالأمان والانتماء. كما يمكن إخراج الغضب بطريقة آمنة عبر التنفس العميق والكتابة والرسم واللعب بالرمل، وتساعد إعادة تسمية المشاعر الأطفال على التعامل مع انفعالهم بشكل أفضل.
وينصح بتجنب ثلاث جمل قد تزرع وصمة إضافية وتزيد الغضب: عيب تغضب، لن تتوقف قريبا، أنت عصبي وتكره التعليمات، لأنها تضع الطفل في قالب محدد وتزيد من توتره. كما يُعتمد على برنامج “إشارة المرور” الذي يربط بين ألوان محددة لتوقيت التفكير والانتظار والتوقف، وهو أداة فعالة لتدريب التحكم قبل الانفجار. كما يساعد وضع روتين يومي منتظم على تقليل الفوضى والارتباك لدى الطفل الغاضب وتزويده بإطار واضح ليومه.
ولا غنى عن الدمج الحسي، فالمشاركة في أنشطة مهدئة مثل الألعاب المائية أو العجين أو المكعبات تدعم استقرار الجهاز العصبي عند الأطفال الذين يعانون من فرط الحساسية. كما أن احتواء الطفل بعد النوبة من خلال الحديث الهادئ والطمأنة وتوفير دعم عاطفي ثابت يسهم في تعافيه ويقلل احتمالية عودته للنوبات في المستقبل.








