برز الحضور الإماراتي في قمة العشرين التي استضافتها جوهانسبرغ للمرة الأولى في تاريخها، بحضور يحمل رؤية تتجاوز الاقتصاد إلى آفاق التنمية الإنسانية، مع إعلان أبوظبي مبادرة «الذكاء الاصطناعي من أجل التنمية» بقيمة مليار دولار تستهدف الدول الإفريقية في التعليم والصحة والزراعة والبنية التحتية، وتمكينها من أدوات المستقبل الرقمي.
المبادرة وأهدافها
تعتمد المبادرة قراءة الإمارات لمكانة التكنولوجيا في التنمية، فالتقنية هنا أداة لخدمة الإنسان الأساسية مثل التعليم الجيد والرعاية الصحية والأمن الغذائي وتطوير البنية التحتية، وليست منافسة تكنولوجية فحسب.
قال محمد فتحي، خبير أمن المعلومات والأمن السيبراني، إن الإمارات تمتلك نموذجاً رائداً في توظيف التكنولوجيا يخدم الإنسان والتنمية الاجتماعية، إذ لا تكتفي باستيراد التقنيات بل تطورها بما يقلل من مشكلات المطابقة مع الاحتياجات المحلية.
وأوضح فتحي أن المبادرة تعكس هذا النهج بوضوح، فهي ليست مجرد مبادرة تقنية بل رؤية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم والصحة والطاقة والزراعة، وهي قطاعات حيوية لإفريقيا، مع الإشارة إلى أن الطاقة ستكون من أبرز التحديات التي تواجه توسيع الاستخدامات وتوجيهها نحو دعم توفير الطاقة.
أفاد بأن المبادرة تعزز مكانة الإمارات كفاعل إقليمي ودولي في بناء مستقبل الشعوب المحتاجة للتنمية، خصوصاً في إفريقيا، مع الإشارة إلى الاستراتيجية الوطنية للإمارات للذكاء الاصطناعي حتى 2031 وتوقع إسهام كبير للذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي خلال السنوات المقبلة.
وأوضح أن الأرقام متغيرة لكنها تعكس مساراً صاعداً لهذا القطاع، وأن الإمارات تقدم نموذجاً للاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان وليس للإضرار به.
وتعكس المبادرة الرؤية الإماراتية التي تؤمن بأن التكنولوجيا جسراً لسد الفجوات التنموية، وليس سبباً لخلق فجوات بين الشمال والجنوب، لاسيما في ظل تحديات أفريقيا من تغيّر المناخ إلى ضغوط الأمن الغذائي واحتياجات الشباب.
تأتي المبادرة كجزء من مسار أوسع تتبناه الإمارات في تعاملها مع إفريقيا، يقوم على الشراكة والتنمية والاستثمار في رأس المال البشري قبل أي شيء آخر.
أراء الخبراء وتوقيتها
من جانبه، أشار أشرف مفيد، خبير الذكاء الاصطناعي، إلى أن مبادرة الإمارات لدعم الذكاء الاصطناعي في إفريقيا بمليار دولار ليست غريبة على دولة رائدة في التكنولوجيا والمبادرات الرقمية في المنطقة، مشيراً إلى أن الإمارات تسعى دائماً إلى ما يجب أن يكون وليس فقط ما هو موجود، وتقدمت باستثمار في تقنيات ما بعد الذكاء الاصطناعي مثل الذكاء الاصطناعي العام والوكيل الذكي، مما يجعلها منصة ريادية في المنطقة وقادرة على قيادة التحول.
بيّن مفيد أن أهمية المبادرة تتضاعف في واقع الدول الإفريقية التي تفتقر للبنية التحتية الأساسية، إذ توجد مناطق بلا خدمات اتصالات تقليدية ثم ترتقي مباشرة إلى تقنيات الموبايل والاتصال الفضائي، فاعتبر أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي في بيئة كهذه خطوة شجاعة تصنع الفارق.
وأشار إلى أن المبادرة تأتي في توقيت مثالي وتعد شكلاً موسعاً من المسؤولية المجتمعية ليس تجاه مجتمع محلي فحسب بل تجاه قارة كاملة، مضيفاً أن إطلاقها في قمة العشرين يعكس إصرار الإمارات على الحفاظ على موقعها في صدارة الدول الفاعلة في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وتنسجم المبادرة مع توجه إماراتي متصاعد نحو تمكين القارة من أدوات المستقبل، سواء عبر الطاقة المتجددة أو الصحة أو الاقتصاد الرقمي.
ويمثل إعلان الإمارات في قمة العشرين تحولاً لافتاً في طريقة النظر إلى الذكاء الاصطناعي في السياسات الدولية، فالإمارات ترى الذكاء الاصطناعي أداة لتنمية عادلة وشاملة، لا مجالاً للتنافس وإنما حلاً للمناطق التي تحتاج حلولاً عملية وسريعة.
التقييم الاقتصادي ومسار النمو في إفريقيا
في هذا السياق، قال الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي المعني بالقطاع التكنولوجي، إن الإمارات صارت قوة مؤثرة في الاقتصاد العالمي، ورغم عدم عضويتها في مجموعة العشرين، دُعيت للمشاركة في القمة لدورها في سلاسل الإمداد وتشكيل النظام الاقتصادي الدولي.
وأضاف أن مبادرة «الذكاء الاصطناعي من أجل التنمية» تعد من أهم المبادرات التي تسهم في تحقيق أهداف القمة، خاصة في إفريقيا التي تحتاج إلى تطوير بنيتها التحتية الإلكترونية وقطاعات التعليم والصحة والزراعة، مع الإشارة إلى أن إفريقيا ما زالت تتطلع لجذب التكنولوجيا الحديثة وتوظيفها في خططها التنموية، والإمارات تدرك أن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يشكلان مسار التنمية المستدامة في الدول النامية.
وأكد أن المبادرة ترتكز على الشراكة وتحقيق المنفعة المتبادلة، وتتوافق مع التوجهات الإماراتية وأجندة التنمية الإفريقية، مما يجعلها أداة فاعلة لدعم مسار النمو في القارة وتحقيق جزء من أهداف القمة المنعقدة في جنوب إفريقيا.
وأوضح أن الإمارات تصوغ نموذجاً في استخدام الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان وتجنب الإضرار به، وهو يمثل تحولاً في رؤية الذكاء الاصطناعي ضمن السياسات الدولية، حيث تُطرح كأداة تنمية عادلة ومباشرة للمناطق الأكثر حاجة.








