شدد خبراء على أهمية مبادرة «الذكاء الاصطناعي من أجل التنمية» التي أطلقتها الإمارات خلال قمة مجموعة العشرين، وتركز على دعم الدول الأفريقية في ميادين التعليم والصحة والزراعة والبنية التحتية، معتبرين أنها تمثل دفعة مهمة لمواطن ومجتمعات القارة وتفتح باباً لمرحلة جديدة من التنمية المستدامة.
وبعيداً عن مجرد ضخ التمويل، تؤكد المبادرة نقل المعرفة وبناء منصات للابتكار، ودعم الجامعات والشركات الناشئة، وتعزيز قدرات الأمن السيبراني، بما يمكّن دول القارة من الانتقال من موقع المستهلك للتقنيات إلى موقع المنتج والمطور لها.
ويرى كثيرون أن التوجه الإماراتي يحمل بُعداً إنسانياً واستراتيجياً معاً، فهو يدعم التنمية البشرية ويعزز الاستقرار الاقتصادي ويوفر فرص عمل واسعة، ما يمنح الدول الأفريقية قدرة على حماية اقتصادها والتحول بثقة نحو اقتصاد المعرفة.
أفق الاستثمار وتداعياته في أفريقيا
قال أمير النمرات، رئيس مركز الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني في جامعة إيست لندن، إن استثمارات الإمارات في الذكاء الاصطناعي والطاقة المستدامة أصبحت نهجاً استراتيجياً واضحاً يعود بالنفع على الدول الفقيرة والنامية، خصوصاً في أفريقيا، مع تنفيذ مشروعات طاقة شمسية وتعاون متزايد مع الجامعات الأفريقية لبناء قدرات في المجال ونشر الوعي به.
أوضح النمرات أن هذه الاستثمارات ستساهم في استقرار الدول عبر دعم الشباب والمجتمعات وتمكينها من بناء نماذج تنموية مستدامة، كما أن توفير فرص عمل جديدة سيقلل من هجرة الشباب ويقوي الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على المدى الطويل، وهو ما يعكس دبلوماسية ناعمة تستخدم التكنولوجيا وشراكات لبناء صداقات إقليمية ودولية وتطوير كفاءات يمكن الاستفادة منها لاحقاً في الاقتصاد الإماراتي.
كما ذكر أن للجانب الإنساني حضوراً في جهود الإمارات، فبينما يُرى الذكاء الاصطناعي أحياناً كتهديد، تبرز الاستثمارات الإماراتية بُعداً يركز على التنمية البشرية والمستدامة، مشيراً إلى أن التاريخ يثبت أن الدبلوماسية الناعمة والاستثمار في الإنسان يحقّقان مكاسب استراتيجية كبيرة على المدى البعيد عندما تقوم العلاقات على التعاون والتنمية المشتركة.
من جهته، أشار علاء الشهري، كبير مستشاري المركز الإقليمي لعلوم وتكنولوجيا الفضاء في الأمم المتحدة، إلى متابعة إعلان الإمارات استثمار مليار دولار لدعم بنية تحتية للذكاء الاصطناعي وخدماته في أفريقيا، بهدف مساعدة الدول القارة في تحقيق أولوياتها التنموية وسط تحديات اقتصادية وارتفاع التضخم.
ولفت الشهري إلى أن المبادرة تمثّل جسراً تقنياً في مجالات حيوية مثل التعليم والرعاية الصحية والتكيف مع التغيرات المناخية، مؤكداً أن رؤية الإمارات ترتكز على أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد صناعة مستقبلية بل ركيزة أساسية للمستقبل الإنساني، وتدفع نحو تسريع الابتكار لدفع عجلة الاقتصاد العالمي مع التزام بتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لصالح شعوب العالم، خصوصاً أفريقيا.
وأشار إلى أن الإمارات من أكبر المستثمرين في أفريقيا، حيث بلغت التجارة الثنائية مع دول القارة نحو 107 مليارات دولار في 2024، وهو ما يعكس مصداقية الدولة وحرص قيادتها على مد يد العون لشعوب العالم.
وقال أسامة الزعبي، نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة «فوسفورس»، إن إطلاق المبادرة يمثل تحولاً نوعياً يعالج فجوة كبيرة في المشهد الرقمي الأفريقي، كونه يتيح للأفارقة البناء والتطوير داخل بيئتهم عبر دعم الجامعات والمواهب الشابة والشركات الناشئة وتطوير البنى التحتية الرقمية.
أضاف الزعبي أن أهمية الذكاء الاصطناعي من منظور الأمن السيبراني تتجاوز مجرد الاستجابة للهجمات لتصبح عنصر حماية رئيسياً، خصوصاً مع تطور هجمات تعلمية ذاتية السريع، فوجود منظومة ذكاء اصطناعي في قلب الدفاع يسمح بمراقبة الشبكات وتحديد التغيرات غير الطبيعية قبل حدوث الاختراق وتقصير زمن الاستجابة.
من ناحيته، أكد الدكتور محمد مغربي، استشاري أمن المعلومات وخبير الذكاء الاصطناعي، أن أفريقيا بحاجة إلى استثمارات كبيرة في البنية الرقمية لتعزيز قدرتها على الانتقال من الاستهلاك إلى الإنتاج والتطوير، وذلك عبر تمكين الشباب في مجالات مثل تعلم الآلة وتحليل البيانات والرؤية الحاسوبية، وهو ما تفتحه المبادرة عبر بناء القدرات ونقل المهارات.
وركّز مغربي على أن أهمية المبادرة لا تقف عند التمويل فحسب، بل في بناء منظومات ابتكار حقيقية تربط الجامعات بالشركات وتخلق بيئة حاضنة للشركات الناشئة، بما يسمح بتطوير حلول تخدم قطاعات حيوية في أفريقيا مثل الزراعة الرقمية والرعاية الصحية والتعليم والخدمات المالية، معتبرًا أن الاستثمار الإماراتي يمهِّد لآفاق جاهزية القارة للمستقبل.
منظومة أمنية وتحدياتها
وأشار الزعبي إلى تزايد الخدمات الحكومية الرقمية والتجارة الإلكترونية وأنظمة الدفع عبر الهاتف المحمول في أفريقيا، وهذه القطاعات لا يمكن أن تستمر دون منظومة أمنية تتعلم وتواكب التطور، معتبرًا أن المبادرة الإماراتية تزود المؤسسات الأفريقية بالأدوات والسيادة التقنية اللازمة لحماية اقتصاداتها الرقمية وتتيح استخدامها للذكاء الاصطناعي كقوة تمكينية لا كمنتج جاهز.
وذكر أن الإمارات تقود نقلاً للخبرة وبناء المهارات ودعماً لنماذج أعمال مستدامة، وهو ما يفتح باب التحول الحقيقي لأفريقيا من بيئة ذات مخاطر عالية إلى منظومة منتجة وآمنة تقودها الابتكارات وتدعم النمو بثقة.








