تعلن التطورات في مجال الصوتيات الحيوية الرقمية عن طفرة غير مسبوقة في فك شفرة تواصل الكائنات بفضل أجهزة استشعار دقيقة وتقنيات الذكاء الاصطناعي. وتؤكد الدراسات أن الهدف ليس قياس قدرات الحيوان بمعايير بشرية، بل فهم لغاته وشروط تواصله كما يفهمها هو نفسه. وتوضح الباحثة كارين باكر أن الأخطاء التاريخية تكمن في تطبيق معايير بشرية على ذكاء الحيوانات، وتؤكد ضرورة التفسير ضمن شروطها الخاصة. وتفتح هذه الأطر آفاقاً لفهم لغات غير البشر وربما تعزيز التعايش والتفاعل بين الأنواع.
ثورة فهم لغات الكائنات
تعتمد تقنيات الصوتيات الحيوية الرقمية على أجهزة تسجيل رقمية صغيرة وخفيفة الوزن يمكن تثبيتها على مختلف الحيوانات أو نشرها في البيئات الطبيعية. تسجل هذه الأجهزة الصوت في الطبيعة بشكل مستمر حتى في أكثر المناطق عزلة، لتولّد كميات ضخمة من البيانات يمكن للذكاء الاصطناعي تحليلها. يستخدم التحليل الآلي لهذه البيانات لاكتشاف أنماط التواصل وربط الأصوات بسلوكيات اجتماعية محددة. تجمع المنهجية بين جمع البيانات الرقمية واستخلاص المعاني من إشارات صوتية معقدة دون افتراضات بشرية مسبقة.
تقنيات رصد الأصوات الخفية
في تجربة رصد مجموعة من الخفافيش لمدة شهرين ونصف، جرى تحليل نحو 15 ألف صوت وربطها بسلوك اجتماعي محدد مثل الشجار على الطعام أو التواصل بين الأمهات وصغارهن. أظهرت النتائج وجود إشارات صوتية مميزة وتفاوتات بين الجنسين في طريقة التواصل، حيث يستخدم الأمهات نبرة صوتية منخفضة مع صغارها. تكشف هذه النتائج أن الخفافيش ليست مجرد كائنات تعتمد على الصدى، بل لديها تعلم صوتي متقدم. تشير النتائج إلى أن هذه الكائنات تمتلك بنية لغوية وتراكيب تنظيمية معقدة تفوق ما كان يُعتقد سابقاً.
إشارات النحل وديناميكيات الخلية
أظهرت أبحاث من جامعة برلين أن تواصل نحل العسل يعتمد على الاهتزازات والمواقف، وليس الصوت فقط. وباستخدام خوارزميات الرؤية الحاسوبية والتعلم العميق، تمكن العلماء من تتبع كل نحلة وربط إشاراتها بسلوك زملائها وتحديد إشارات مثل الصمت والتوقف والخطر وإشارات التجمع. تساهم هذه الإشارات في تنظيم السلوك الجماعي داخل الخلية بدقة عالية. تبين النتائج أن اللغة الاهتزازية للنحل تحمل نمطاً بنيوياً يعكس شبكة تواصل دقيقة في المستعمرة.
زئير الأسود وتفصيلاته
استخدمت نماذج الذكاء الاصطاعي في جامعة إكستر لتوثيق وجود نمط صوتي جديد في الزئير الأفريقي، أُطلق عليه الزئير الوسيط. تبرز النتائج أن تواصل الأسود أكثر تعقيداً مما كان يُعتقد، وهو ما يمهد لطرق جديدة لمراقبة الحياة البرية. نُشرت الدراسة في مجلة علم البيئة والتطور، حيث تم توثيق التمييز بين النمطين باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. يتوقع أن يسهم هذا في تغييرات جذرية في فهم الطبيعة والتواصل الحيواني عبر أنواع مختلفة.








