رئيس التحرير: حسام حسين لبش
مدير التحرير: علي عجمي

حاكم الشارقة يحضر الحفل الرسمي لإدراج موقع «الفاية» ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو

شارك

شهد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي مساء أمس الحفل الرسمي لإدراج «الفاية» على قائمة التراث العالمي لليونسكو في مركز مليحة للآثار، بحضور سمو الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي نائب حاكم الشارقة، والشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، والشيخة بدور بنت سلطان القاسمي سفيرة موقع الفاية للتراث العالمي، وعدد من كبار المسؤولين وممثلي المؤسسات والمنظمات الثقافية والدبلوماسيين.

إدراك أبعاد الحدث وأهميته

أكد صاحب السمو في كلمته استثنائية هذا الموقع الذي لا يختزن في صخوره طبقات الزمن فحسب، بل يحمل حكايات عن أول حضور للإنسان في هذه الأرض، مؤكداً أن هذه الصفحات هي كتاب حي يحكي الإنسان وكيف عاش وواجه بيئته وحَوَّل التحديات إلى معرفة وبناء وحكمة، وأن المعرفة عبر التجربة تراكِم وعيًا عبر الأجيال.

تحدث سموه عن قيمة المواقع التاريخية، قائلاً إن قيمتها ليست مادية بل ثقافية وإنسانية، وتربط الحاضر بجذوره لتبقى المصادر الكبرى للهوية ومسار الإنسان في هذه المنطقة مدرسة مفتوحة للأجيال. كما أشار إلى أن حماية هذه المواقع يساند فهم الهوية ودورها في الحاضر والمستقبل، وأن ما يُحافظ عليه اليوم يحمي هويتنا غدًا.

وأشار إلى جهود إمارة الشارقة في دعم المشاريع الثقافية، وذكر أن التراث يحتل موقعًا مركزيًا في المشروع الثقافي للإمارة، حيث يمنح الثقافة جذورها ويضعها ضمن السياق الكلي للإنسان والمجتمعات في هذه المنطقة. وتطرق إلى دور البحوث التنقيبية في «الفاية»، فذكر أن الأرض كشفت أن الهجرة البشرية ليست مجرد مرور بل تجربة منفصلة وتاريخية، مع وجود أدوات حجرية تعود إلى أكثر من مئتي ألف عام، ما غيّر فهم العالم لمسيرة الإنسان.

أبعاد علمية وإنسانية للفاية

وقال سموه إن الفاية قدّمت خريطة جديدة للهجرة البشرية ومساراتها، وأثبتت أن الجزيرة العربية كانت موطنًا مبكراً للإنسان وليس مجرد ممر عبور. وبذلك أصبحت «الفاية» محطةً مركزية في ذاكرة الإنسانية، وليست مجرد موقع محلي. ورأى أن إدراجها للتراث العالمي ليس إقرارًا بتاريخ المنطقة فحسب، بل هدية للبشرية يفتح نافذة على ماضٍ عميق وتعلم من تجارب الماضي.

وأضاف أن الحضارات لا تنمو في العزلة بل من خلال التواصل والشبكات التي تبني مسارها الحضاري، لذا فإن الاستثمار في حماية المواقع التراثية جزء أساسي من بناء المستقبل وبناء الإنسان.

وتطرق إلى جهود الباحثين وعمليات التنقيب، فقال إن أعمالًا حديثة كشفت أن الإنسان الحديث كان هنا قبل زمن أبعد مما كان يُعتقد، وإن الفاية أظهرت أن شبه الجزيرة العربية كان لها دور رئيس في وجود الإنسان المبكر وتفاعله مع محيطه، وهو ما يفتح أمام العالم نافذة لفهم أوسع لمسار البشرية.

وختم بأن إدراج الفاية يتيح للبشرية نافذة جديدة على ماضي هذه المنطقة ويؤكد أن قصة الفاية هي جزء من قصة الإنسانية المشتركة، معربين عن امتنانهم للعالم لما حصد من اعتراف وتقدير لقيمة هذا الموقع.

منحة الفاية للبحوث وخطة المستقبل

وأعلنت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي خلال كلمتها إطلاق «منحة الفاية للبحوث» وهي مبادرة دولية علمية جديدة بقيمة مليوني درهم تستمر ثلاث سنوات، لإسناد الدراسات المتخصصة حول الفاية وتطوير حضور الباحثين الشباب وتوفير فرص للطلاب الإماراتيين للمشاركة في بعثات علمية، وتدار المنحة من هيئة الشارقة للآثار بإشراف اللجنة العلمية لموقع الفاية للتراث العالمي.

وقالت إن الإدراج في 11 يوليو من هذا العام لم يكن لحظة فوز فحسب بل امتنانًا لتقدير العالم لقناعة الإمارة بأن موقع الفاية يحمل قصة وأن أصوات من عاشوا هنا جديرة أن تُسمع جزءًا من تاريخ الإنسان المشترك، مؤكدة أن الجهود ستستمر للحفاظ على الفاية وتوسيع معرفتنا بها عبر البحث والتعاون العالمي.

وتناولت سفيرة موقع الفاية للتراث العالمي أهمية الإدراج، مشيرة إلى أن الإقرار العالمي يعمّق فهم الهجرة المبكرة والتكيّف والابتكار، ويضع شبه الجزيرة العربية في مركز تلك القصة. وأكدت أن الاكتشافات تدعونا إلى إعادة فتح كتب التاريخ وإعادة النظر في فرضيات كانت من المسلّمات، وأن فهمنا لمسيرة الإنسان لا يزال قابلًا للاكتشاف والتطوير.

وبيّنت أن جهود صاحب السمو حاكم الشارقة جعلت هذا المشروع مستدامًا ويعكس إيمانًا عميقًا بقيمة التراث كركيزة أساسية للمستقبل، وأن العمل الذي بُذل من هيئة الشارقة للآثار والمؤسسات الدولية يعكس شراكات راسخة لحماية التراث الإنساني.

شهادات وتقدير من اليونسكو وجلسة الاحتفال

وتطرق لازار إلوندو أساومو مدير مركز التراث العالمي في اليونسكو إلى أهمية الاعتراف، مستعرضاً أن إدراج «الفاية» يمثل محطة مهمة في تقدير الموقع كتراث يستحق حماية الإنسانية جمعاء. وأشار إلى أن اتفاقية التراث العالمي تجمع بين الدول لتقوية صون هذا التراث للأجيال المقبلة، مؤكداً أن الفاية أصبحت الموقع الثاني في دولة الإمارات العربية المتحدة المدرَج على القائمة، بجانب المواقع الثقافية في العين.

وأشار أساومو إلى أنه زار أجزاء من الموقع وشاهد مناطق محمية متعددة، بينها بقايا أثرية كبرى وسمات جيومورفولوجية وفرت موارد رئيسة كالمياه والمواد الخام، ما أتاح الاستقرار البشري خلال العصور القديمة. وأكد أن الموقع فرصة كبيرة للبحث المستقبلي في استيطان البشر في البيئات الجافة، وأن جهود الشارقة في حماية الموقع وعرضه للجمهور مثمرة ومهمة.

وختم قائلاً لصاحب السمو الحاكم: إن العناية بالثقافة والتراث وتحبيبهما للأجيال القادمة تستحق التقدير، وأن هذا الجهد امتد ليشمل دعم المنطقة ككل. كما وجّه التهنئة للجميع المشاركين في الرحلة، مؤكدًا أن ثقة اللجنة في قيمة الفاية العالمية أساس لإدراجها.

من جانبه، رحّب عيسى يوسف مدير عام هيئة الشارقة للآثار بالحضور وشركاء المشروع، مبرزاً أن إمارة الشارقة بقيادة سمو الحاكم بنيت مشروعاً معرفياً يجعل التراث ركناً أساسياً في فهم الإنسان وتاريخه، ومثنياً على جهود الشيخة بدور في قيادة ملف ترشيح الفاية وتقديم التراث الإنساني للمنطقة للعالم كجزء من قصة الحضارة ومسارها.

الأنشطة والجانب الفني المشترى

وختُتم الحفل بعرضٍ فني متكامل يتضمن فيلمًا أرشيفيًا عن مسيرة الموقع واكتشافاته، وفيلمًا عن «منحة الفاية البحثية» يروي أهداف المبادرة ودعم البحث وتربية جيل من الباحثين الشباب، ثم عرض بعنوان «قصة الفاية» يضم تقنيات ثلاثية الأبعاد ولقطات طبيعية تحاكي بيئات أكثر من 210 آلاف عام، وتجاوباً بصرياً يعيد سرد خطوات الإنسان الأولى في المنطقة، واختتم البرنامج بعرض «أصداء الفاية» الذي يعكس التفاعل بين الضوء والهواء ليجسد كتابة ذاكرة الفاية في الرمال والماء والصخر والريح.

وقام صاحب السمو بتسليم الدروع التذكارية للمؤسسات الشريكة في المشروع تقديرًا لجهودهم المؤسسية في إنجاح الملف واعتماده على المستوى العالمي، كما أقيمت مأدبة عشاء رسمية تعكس روح المكان ورسالة التراث التاريخية وتؤكد التزام الشارقة بتعزيز قيم التراث العالمي وبناء جسور تعاون علمي وثقافي.

و before الحفل قام صاحب السمو بجولة في مركز مليحة للآثار، مطلعاً على معرض «رحلة الفاية إلى التراث العالمي من 1973 إلى 2025» وما يتيحه من محطات زمنية مهمة، مع عرض خرائط ونماذج تُبين حركة الأمطار وتأثير جبال الفاية في إيقاف امتدادها عبر سهل المدام، كما اطلع سموه على أبرز القطع المعروضة من مليحة، والتي تضم رؤوس سهام وقبوراً وأدوات زينة وبقايا بشرية تعكس وجود الإنسان في مليحة عبر عصور مختلفة، إضافة إلى ست قطع أثرية معروضة لأول مرة وتعود لقرون تاريخية بينها فأس حجرية أشولية نحو 500 ألف عام وأدوات حجرية من العصرين الحجري القديم الأوسط والحديث وأدوات لصيد وشفرات صوانية وأدوات تقطيع بطول يعكس تطور الصناعة الحجرية.

مقالات ذات صلة