رئيس التحرير: حسام حسين لبش
مدير التحرير: علي عجمي

حاكم الشارقة يحضر الحفل الرسمي لإدراج “الفاية” ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو

شارك

إدراج “الفاية” في قائمة التراث العالمي لليونسكو

شهد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة مساء يوم أمس الحفل الرسمي لإدراج “الفاية” على قائمة التراث العالمي لليونسكو.

كان في استقبال سموه سمو الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي نائب حاكم الشارقة، وسمو الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي سفيرة موقع الفاية للتراث العالمي، والشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، والشيخ ماجد بن سعود بن راشد المعلا رئيس دائرة السياحة والآثار بأم القيوين، والشيخ خالد بن عصام القاسمي رئيس دائرة الطيران المدني، والشيخ ماجد بن سلطان القاسمي رئيس دائرة شؤون الضواحي، والشيخ سلطان بن عبدالله بن سالم القاسمي مدير دائرة الإحصاء والتنمية المجتمعية، والشيخ سالم بن محمد بن سالم القاسمي مدير هيئة الإنماء التجاري والسياحي، وعدد من كبار المسؤولين وممثلي المؤسسات والمنظمات الثقافية والدبلوماسيين.

وأكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي خلال كلمته في الحفل أن هذا الموقع ليس طبقات زمن فحسب، بل يحكي عن أول حضور للإنسان على هذه الأرض.

وقال سموه: “نقف أمام صفحات حيّة من كتاب الإنسان، يتحدث عن كيف عاش وكيف واجه بيئته وكيف حوّل التحديات إلى معرفة وصبر وبناء وحكمة، وجعل من الخبرة أسلوبًا لحياته، وصنع من التجربة وعيًا يتراكم جيلاً بعد جيل”.

وتناول صاحب السمو حاكم الشارقة قيمة المواقع التاريخية، قائلاً إن القيمة الحقيقية للمواقع ليست مادية بل ثقافية وإنسانية، تتيح للإنسان فهم مساره الطويل فوق هذه الأرض وتربطه بجذوره حتى لا يفقد المستقبل صلته بذاكرته، فكل موقع تراثي هو مدرسة مفتوحة للأجيال.

وأضاف أن منح هذه المواقع ما تستحقه من دراسة وحماية لا يحفظ حجرًا فحسب، بل يحفظ علمًا متراكمًا وخبرة إنسانية ممتدة، ويساعد الأجيال على بناء فهم أعمق لهويتها ودورها في الحاضر والمستقبل، فالحاضر يحمي الهوية غدًا. كما تطرق إلى جهود إمارة الشارقة في دعم المشاريع الثقافية، فذكر أن التراث يحتل موقعًا مركزيًا في المشروع الثقافي للإمارة لأنه يمنح الثقافة جذورها ويربطها بالسياق الذي تشكلت من خلاله صورة الإنسان والمجتمعات في المنطقة، وهو يكشف تاريخ الإنسان ويؤسس للتعاون وتنظيم الموارد وتوزيعها، وهذه الركائز تشكل البنية الاجتماعية التي امتدت آثارها إلى العصور اللاحقة.

وتحدث سموه عن جهود الباحثين العاملين بخصوص أعمال التنقيب في الفاية، قائلاً إن النتائج كشفت أن الفاية قدمت خطة فارقة غيرت فهم العالم لمسيرة الإنسان، فخلال التنقيب ظهرت أدوات حجرية دقيقة الصنع، وتبيّن من تحليلها أن عمرها يتجاوز مئتي ألف عام، ما أكد أن الإنسان الحديث كان هنا قبل زمن أبعد مما كان يُعتقد. كما أشار إلى أن الفاية قدمت خريطة جديدة للهجرة البشرية ومساراتها، وأثبتت أن الجزيرة العربية لم تكن مجرد ممر عبور بل موطناً مبكراً في رحلة الإنسان من إفريقيا إلى العالم، وهكذا أصبحت الفاية محطة مركزية في ذاكرة الإنسانية وليست موقعًا محليًا فحسب. كما اعتبر سموه أن هذا الإدراج هو هدية جديدة للبشرية من هذه المنطقة، كما قدمت عبر تاريخها أولوية الزراعة والتجارة وشبكات الطرق وأبكر الهياكل المدنية والاجتماعية، ما يتيح للإنسانية نافذة جديدة لفهم الماضي وتعلم دروسه.

وتطرق سموه إلى البعد الإنساني للفاية، فذكر أن المعرفة ليست ماضية فحسب بل صالحة لكل العصور، وأن الحضارات لا تنمو في العزلة بل من خلال التواصل والشبكات العادلة، وأن الاستثمار في حماية هذه المواقع لا يقل أهمية عن الاستثمار في البنية الاقتصادية وبناء الإنسان؛ فالتراث ليس استدعاءً للماضي، بل تأسيس للمستقبل.

وختم كلمته بشكر وتقدير إلى سمو الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي على قيادتها لهذا الملف، ومثمنًا دور هيئة الشارقة للآثار والشركاء والباحثين والمتخصصين الذين أسهموا في تحقيق هذا الإنجاز.

وأقيم الحفل في مركز مليحة للآثار، حيث استهل بتدشين النصب التذكاري الخاص بإدراج “الفاية” وتسلّم صاحب السمو شهادة الإدراج من لازار إلوندو أساومو مدير مركز التراث العالمي في اليونسكو، في لحظة تجسد المكانة العالمية للفاية وتبرز دور الإمارات في صون الإرث الإنساني وحماية المواقع ذات القيمة الاستثنائية.

كما أعلنت سمو الشيخة بدور القاسمي عن إطلاق “منحة الفاية للبحوث” وهي مبادرة دولية علمية جديدة بقيمة مليوني درهم تستمر ثلاث سنوات، وتهدف إلى دعم الدراسات المتخصصة حول الفاية وتعزيز حضور الباحثين الشباب مع تخصيص فرص للطلاب الإماراتيين للمشاركة في بعثات علمية تُسهم في توسيع المعرفة بتاريخ الموقع ودوره في تطور الإنسان، وتدير المنحة هيئة الشارقة للآثار بإشراف اللجنة العلمية لموقع الفاية للتراث العالمي.

وقالت سموها إن حدث الإدراج في 11 يوليو من هذا العام ثمرة جهود دُأبت عليها لعقود، وإن الشعور بالامتنان يفوق الشعور بالنصر، امتنانٌ لتقدير العالم لقصة الفاية ولقوة أصوات من عاشوا هنا عبر مئات آلاف السنين كما أنها جزء من تاريخ الإنسانية المشترك.

وأوضحت سموها أن إدراج الفاية يؤكد الأهمية العالمية للموقع ويعمّق فهم الهجرة البشرية والتكيّف والابتكار، كما يعيد شبه الجزيرة العربية إلى قلب هذه القصة ويبيّن أن البشر الذين عبروا ذلك المكان عادوا إليه واستقروا فيه وتعلموا وتطوروا على مدى آلاف السنين، وما يربطنا معهم كأُسرة واحدة عبر التاريخ.

ثم أثنت سموها على دعم صاحب السمو الحاكم للإمارة وقادتها، مؤكدة أن حماية الفاية وضمان استدامة إرثه للأجيال القادمة يمثلان التزامًا مستدامًا، وأن التوسع في البحث والتعاون الدولي سيستمر لتعميق الفهم بتاريخ المنطقة. كما جرى التذكير بأن الإدراج يشكّل رسالة عالمية وتأكيدًا على ثقة اليونسكو في القيمة العالمية للموقع.

وأكد لازار إلوندو أساومو مدير مركز التراث العالمي في اليونسكو، في كلمته، شرفه وسعادته بالتواجد في الشارقة وفي موقع الفاية للاحتفال بإدراجها ضمن التراث العالمي، مشيراً إلى أن الاعتراف من لجنة التراث العالمي يمثل محطة مهمة لتقدير هذا الموقع الفريد بوصفه تراثًا للإنسانية، وأن إدراج المواقع ضمن القائمة يثبت قيمتها العالمية ويستلزم حمايتها لصالح البشرية جمعاء.

وأشار أساومو إلى أهمية اتفاقية التراث العالمي وما تمثله، قائلاً: “إنها معاهدة دولية فريدة وآلية بارزة تجمعنا للعمل معًا من أجل صون تراثنا المشترك للأجيال القادمة”، كما لفت إلى أن موقع الفاية هو ثاني موقع إماراتي يُدرج في القائمة بعد المواقع الثقافية في العين عام 2011، وهو يعكس غنى وتنوّع تراث الدولة وقيمه الثقافية والطبيعية الراسخة.

واستعرض مدير مركز التراث العالمي زيارة أجزاء من موقع الفاية ورؤية المناطق المحمية والمتعددة فيه، مع وجود أدلة على استيطان بشري خلال العصر الحجري الأوسط المبكر والعصر الحجري الحديث، وهو ما يعمّق فهم استجابات الإنسان للظروف المناخية القاسية، كما عبّر عن سعادته بما حقّقته الشارقة، لا سيما هيئة الشارقة للآثار، من جهود لحماية هذا الموقع وعرضه للجمهور.

وخاطب أساومو صاحب السمو حاكم الشارقة قائلاً إن العناية التي أوليتموها للثقافة والتراث وأهميتهما ونشرهما للأجيال القادمة جديرة بكل تقدير، وأن هذا الجهد امتد ليشمل دعم المنطقة بأسرها.

وفي كلمته، رحّب عيسى يوسف مدير عام هيئة الشارقة للآثار بالضيوف والشركاء مؤكداً أن الإمارة بق leadership صاحب السمو حاكم الشارقة بنت مشروعاً معرفياً يجعل التراث ركنًا رئيسيًا لفهم الإنسان وتاريخه، مثمناً دور سمو الشيخة بدور في قيادة ملف ترشح الفاية وتقديم تراث المنطقة للعالم كجزء من قصة الحضارة ومسارها.

وأضاف أن اهتمام الشارقة بالتراث حكاية طويلة عبر عشرات المواقع الأثرية والبعثات العلمية والمبادرات والحفظ والصون، مما جعل الإمارة منصة معرفية ومرجعًا في التراث الثقافي وعلم الآثار، وجذب الباحثين والمختصين والسياح ورواد الأعمال.

وتضمن الحفل برنامجًا فنيًا وعلميًا يعيد استحضار تاريخ الفاية، فاشتمل على فيلم أرشيفي يوثق مسيرة الموقع، ثم فيلم “منحة الفاية البحثية” الذي يقدّم تصورًا لأهداف المبادرة ورعاية جيل من الباحثين الشباب، ثم عرض “قصة الفاية” على واجهة صخرية باستخدام تقنيات تصوير ثلاثية الأبعاد، واختتم بعرض “أصداء الفاية” الذي يحاكي بتفاعل الضوء والهواء ذاكرة المكان وتطوراته عبر أكثر من 210 آلاف عام.

وتفضل صاحب السمو حاكم الشارقة بتسليم الدروع التذكارية للمؤسسات الشريكة في المشروع تعبيراً عن الامتنان للدور الذي أدّته تلك الشراكات في إنجاح الملف، وتأكيداً على أن صون التراث الإنساني ثمرة تعاون راسخ بين الهيئات البحثية والثقافية والمؤسسات المتخصصة.

وأُختِمت الأمسية بمأدبة عشاء رسمية صُمّمت لتنسجم مع روح المكان ورسالته التاريخية، في تجمع علمي ثقافي يعكس استمرار التزام الشارقة بتعزيز القيم العالمية للتراث وبناء جسور تعاون تعزز المعرفة والوعي الإنساني.

وكان صاحب السمو حاكم الشارقة قد تجول قبل الحفل في مركز مليحة للآثار، مطلعاً على معرض “رحلة الفاية إلى التراث العالمي من 1973 إلى 2025” الذي يبرز محطات زمنية مهمة في هذه الرحلة التي بدأت بتحريات بحثية نفذتها بعثات دولية وأسهمت في رسم خرائط منهجية لسلسلة جبال الفاية، وتلاها اكتشافات أثرية غيرت المفاهيم حول انتشار البشرية ثم توّجت بالإدراج في 2025.

واستمع سموه إلى شرح عن جهود هيئة الشارقة للآثار بالتعاون مع شركائها في البحث والدراسات المتخصصة، مطلعاً على الخرائط والنماذج التي توضّح حركة الأمطار في المنطقة والدور الجيولوجي لجبال الفاية في إيقاف امتدادها عبر سهل المدّام، مع عرض أبرز الآثار المكتشفة في مليحة من رؤوس سهام وقبور وأدوات زينة وبقايا بشرية تعكس وجود الإنسان في مليحة عبر عصور تاريخية، إضافة إلى مجموعة من القطع الأثرية التي تعود إلى مئات الآلاف من السنين وتضم فؤوسًا حجرية وأدوات حجريّة وأجزاء صوانية وتقطيعات متعددة الاستعمالات.

وتبادل سموه المصافحة مع السفراء المندوبين الدائمين للدول الأعضاء لدى اليونسكو، معربًا عن شكره وتقديره لجهودهم في دعم ملف الفاية لإدراجه ضمن التراث العالمي.

وجاء اعتماد إدراج “الفاية” ثمرة مسار عمل استمر سنوات قادته سمو الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي كالسفيرة الرسمية لملف الترشيح، حيث تعاونت مع هيئة الشارقة للآثار وشركاء وبيوت خبرة دولية على توثيق القيمة العالمية الاستثنائية للموقع وإعداد الدراسات العلمية التي أبرزت الفاية كأقدم أرشيف حي لوجود الإنسان في البيئات الصحراوية لأكثر من 200–210 آلاف عام.

وقادت سموها سلسلة لقاءات وفعاليات دولية لتعزيز قيمة الموقع والتعريف برسالته العلمية والإنسانية، وتكلل هذا الجهد بلحظة الإعلان الرسمي عن الإدراج خلال الدورة السابعة والأربعين للجنة التراث العالمي في باريس، حيث مثّلت الإمارات والشارقة القصة الإنسانية المشتركة وتعبّرت عن امتنانها لثقة اليونسكو.

مقالات ذات صلة