تحديات.. وتحذير
تواجه العائلات موجات من التحديات الرقمية التي تجتاح عقول المراهقين وتجعلهم أسرى لشهرة آنية لا تتجاوز ثواني الفيديو، ومع كل ترند تتكرر المشاهد ذاتها: تقليد، مخاطرة، ثم كارثة قد تترك أثراً نفسياً وجسدياً واضحاً.
تؤكد التحذيرات التي أطلقها تربويون واختصاصيون في علم النفس والاجتماع أن تقليد الترندات التي تنتشر عبر منصات التواصل، وخاصة تيك توك، قد يحول مقاطع إلى تجارب خطيرة قد تهدد حياة الشباب والأطفال حين تتجاوز حدود المرح إلى تحدي جسدي ونفسي خطير.
تثبت الوقائع أن غياب الرقابة الأسرية والتربية الرقمية يفتح الباب أمام جيل يعيش بمنطق الشاشة أكثر من الوعي، فهذه الخوارزميات تضخم الفيديوهات الأكثر انتشاراً وتدفع الشباب إلى المخاطر دون مراعاة للسلامة.
وقائع عربية مؤلمة
شهد لبنان حادثة مأساوية حين توفي طفل يبلغ 12 عاماً أثناء مشاركته في تحدي «لقمة واحدة» بعد محاولة ابتلاعه قطعة كبيرة من الكرواسان، فنخنق وخشيت المحاولات الإنقاذ، وهو ما صدم الرأي العام ودفع الوزارة إلى تعميم تحذيري في المدارس.
وفي مصر، تحوّل فيديو «المزاح» إلى جريمة قتل حين حاول زميله تقليد مشهد بتقييد بالحبال وضربه، ففقد الطالب وعيه وتسبب النزف الدماغي في وفاته، مع وجود دلائل تشير إلى تقليد مشهد عنيف منتشر كترند.
أما تحدي «تشارلي» فدفع طفلاً إلى القليوبية إلى شنق نفسه داخل غرفته أثناء محاكاة الفيديو، وتشير التحقيقات إلى أن الهدف كان تقليد ترند عنيف لا يُدرك خطورته.
وتظهر حوادث أخرى تتراوح بين إصابات نتيجة تجربة «الثلج والملح» في المغرب، واختناقات في الأردن، إضافة إلى بلاغات من الإمارات عن محاولات أطفال لتكرار مشاهد «حرق الدمى الشريرة» بعد مشاهدتها على المنصات، فيما تكشف الوقائع اتساع الخطر بين فئة 10–17 عاماً.
قانون حماية الطفل
تؤكد موزة الشومي أن قانون حماية الطفل يمنح الأطفال حق الوصول إلى الإنترنت والمعرفة، لكنه يفرض ضوابط تحمي النظام العام والآداب العامة وسلامتهم النفسية والجسدية والعقلية.
وتشدد أن القانون لا يكتفي بالحقوق بل يلزم الأسرة بواجبات أساسية مثل التوجيه المستمر والمتابعة الدقيقة لاستخدام الأبناء للإنترنت، مع تأكيد أن للطفل الحق في المعرفة لكن ضمن حدود آمنة وتواصل وتوعية مستمرة.
وتوضح أن المادتين 35 و36 من القانون يحددان مسؤوليات الأسرة في حماية الطفل من الإهمال والتشرد ومن أي ممارسة قد تعرض حياته للخطر داخل المنزل أو المدرسة أو عبر وسائل التواصل، وتؤكد وجود عقوبات لكنها ليست الهدف الأساسي وإنما الوقاية قبل كل شيء.
وتشير إلى أن الغاية من القانون هي تعزيز الحوار والتعاون بين الأسرة والمدرسة، وتؤكد أن المجتمع كشريك مسؤول في حماية الأبناء، وأن الرقابة ليست غاية بحد ذاتها بل جزء من التوعية المستمرة.
بناء شخصية قيادية
تؤكد الدكتورة هدى المطـروشي أن الترندات الرقمية لم تعد مجرد ترفيه بل أصبحت ضغوطاً اجتماعية تدفع بعض الفتيات إلى تقليد ما يُشاهَد دون وعي بتأثيراته النفسية والسلوكية.
وتبرز أن بناء شخصية قيادية واعية لدى الفتيات يمثل دفاعاً أساسياً ضد الترندات السلبية، فالثقة بالنفس وتحديد الأولويات والتفكير النقدي قبل القرار تساعد في مقاومة المحتوى السطحي وتتماشى مع قيم المجتمع الإماراتي.
وتبرز البرامج الإرشادية والمهارية التي تقدمها الجمعيات كبيئة آمنة لتعزيز التعبير عن الذات وتطوير مهارات الحوار واتخاذ القرار، بما يساعد الفتيات على مقاومة الضغوط الرقمية وتفضيل المحتوى ذو القيمة.
خطر الخوارزميات
يؤكد الدكتور خالد النابلسي أن الخطر الأكبر في الترندات ليس المحتوى ذاته بل الخوارزميات التي تقوده، فأنظمة الذكاء الاصطناعي لا تفرّق أخلاقياً بين المحتوى الآمن والخطير بل تتعامل معه كبيانات تحقق تفاعلًا عالياً.
ويشرح أن منصات التواصل تعمل بنماذج تعلم عميق هدفها إطالة مدة بقاء المستخدم، فكل ما يثير الانتباه مرشح للانتشار حتى لو كان يحمل مخاطر سلوكية أو نفسية على الطلبة.
ويؤكد أن هذه الخوارزميات مصممة لتعظيم الأرباح وليست لحماية الوعي، لذا يمكن لفيديو غير مدروس أن يتحول إلى ترند خلال ساعات قليلة، ويُعتمد الذكاء الاصطناعي لتصعيد الترندات دون تقييم تربوي لسلامتها.
ويشدد على ضرورة امتلاك المدارس والأسر وعياً技نياً لفهم آليات عمل أنظمة التوصية، حتى لا يقع الطلاب ضحية للمحتوى اللحظي الذي يبدو شائعاً بينما هو في الحقيقة تضخيم خوارزمي.
ويؤكد أن الحل ليس إيقاف التكنولوجيا بل بناء مهارات التفكير النقدي لدى الطلبة لتمييز ما يحقق انتشاراً وما يضيف قيمة، فالعالم الرقمي يكافئ الجاذبية أكثر من الحقيقة.
إثبات وجود
توضح الدكتورة ميساء عبدالله أن تقليد الترندات ليس مجرد رغبة في التسلية، بل محاولة لا شعورية للانتماء، حيث يجد المراهق في التحدي وسيلة لإثبات وجوده في عالم رقمي صاخب.
وتشير إلى أن الخطر الحقيقي يكمن في تحول التقليد إلى وسيلة للهروب من الواقع وتكوُّن شخصية رقمية مزيفة تعيش على الإعجاب الوهمي، وتؤكد أن التربية الحديثة تحتاج مناهج تعزز التفكير النقدي وتدمج مفاهيم السلامة الرقمية وتبني الحوار والتوعية كخط دفاعي أساسي.
فخ الشهرة
توضح سها القدسي أن بعض الأسر تترك الإنترنت كوسيلة ترفيه صامتة وتترك الأبناء تحت وصاية الخوارزميات، فتخلق بيئة تنافسية تقيس قيمة الشخص بعدد المشاهدات وتدفع إلى تقليد المحتوى الأكثر انتشاراً.
وتدعو إلى بناء الثقة بين الأهل وأبنائهم وفتح نقاش مستمر حول ما يشاهدونه وتوجيههم لتمييز المحتوى المفيد من المضلل، كما تدعو المدارس إلى تنظيم جلسات توعية رقمية كجزء من الوقاية.
تقليد رقمي
تؤكد الدكتورة ليلى أحمد أن أخطر نتائج الترندات تتمثل في إضعاف التفكير التحليلي لدى الطلبة، إذ يتحول الطالب من فاعل إلى متلقٍ سلبي.
وتشير إلى أن بعض المدارس لاحظت سلوكيات غريبة مثل تصوير مقاطع داخل الصفوف أو أثناء الطابور لتقليد ترندات غربية، وهو ما يدل على أثر المنصات في تشكيل السلوك اليومي.
وتؤكد أن إدماج التربية الإعلامية في المناهج ضروري كي يتمكن الجيل من تفكيك الرسائل وفهم سياقها، وعدم الانخراط في محتوى عابر بلا قيمة.
دوامة إدمان
يصف مروان حامد مرشد أن بعض المراهقين لا يكتفون بمحاولة الترند مرة بل يدخلون في دوامة المشاركة سعياً للتفاعل المستمر.
وتشرح الخلاصة أن الخطر الاجتماعي يكمن في انشغال الطفل بالتصوير والمقارنة وفقدانه الاهتمام بالأنشطة الواقعية، فيدخل في عزلة رقمية وتزداد آثارها النفسية مع الوقت.
وتؤكد أن العلاج يبدأ بتغيير بيئة المراهق عبر إشراكه في أنشطة اجتماعية وفنية وتوجيهه نحو التعبير الآمن عن نفسه، كما يمكن أن يزرع الأب في داخله وعياً مضاداً لتقليد الترندات من خلال المشاركة البنّاءة في إنتاج محتوى توعوي.
تغذية المحتوى
يشرح الدكتور عبيد صالح المختن أن انتشار التحديات ليس عشوائياً بل هو نتاج تصميم خوارزميات تغذي المحتوى الذي يثير مشاعر قوية مثل الخوف والدهشة والغضب، وتدفع إلى فقاعة من التفاعل المستمر.
ويذكر أن نظام تيك توك يعتمد على تغذية تفاعلية تقترح مقاطع مشابهة لما تفاعل معه المستخدم، ما يجعل المستخدمين يدخلون في دوامة محتوى متشابه ويضخمون السلوكيات الخطرة.
ويؤكد أن الحل ليس منع التكنولوجيا بل بناء مهارات التفكير النقدي لدى الطلبة لتمييز ما يجلب الانتشار من قيمة حقيقية، فالعالم الرقمي يكافئ الجاذبية أكثر من الحقيقة.
حب مستعار
يشرح الدكتور شافع النيادي أن الفراغ العاطفي داخل الأسرة من أهم العوامل التي تدفع الأطفال إلى العالم الرقمي بحثاً عن مشاعر مفقودة أو دعم لا يجدونه في محيطهم القريب.
ويؤكد أن الترندات قد تكون صرخة تقول: «انظروني»، وأنها ليست وسيلة لحب دائم بل تعويضاً عن نقص عاطفي أو افتقاد للاحتواء الأسري.
ويؤكد أن الأسرة تحتاج إلى بناء جسور التواصل وخلْق بيئة عاطفية دافئة يُرى فيها الأبناء ويسمعون ويشعرون بالحب دون اللجوء إلى المحتوى العابر، فالعلاج يبدأ من البيت قبل المدرسة.
6 أدوار محورية
يشرح محمد عبيدات أن المدارس تتحمل مسؤولية مضاعفة في ظل انتشار الترندات وتحوّلها إلى ضغوط تؤثر في سلوك الطلبة، وهو ما يفرض أدوار تربوية جديدة.
ترتكز هذه الأدوار على التوعية الرقمية المنظمة ورصد التحول السلوكي، ثم إشراك أولياء الأمور وتنظيم جلسات توعوية، إضافة إلى تعزيز البدائل السلوكية الإيجابية داخل المدرسة وبناء شخصية رقمية واعية عبر مناهج وتدريبات على التفكير النقدي، وأخيراً وضع سياسات سلوكية رقمية واضحة تشمل ضوابط الأجهزة والعقوبات التربوية وحماية الخصوصية.
بيئة خصبة
تؤكد التربوية الكويتية سناء البراك أن وجود أوقات فراغ طويلة لدى الأبناء يخلق بيئة مناسبة للاندفاع نحو الترندات، فيجب ملء اليوم ببرامج تعليمية وتطوعية وأنشطة رياضية ومهارية تعزز الثقة والانتماء وتوفر بديلاً آمناً.
وتشير إلى أن الكويت تعمل على تشريعات لضبط المحتوى الإعلامي وحماية النشء، مثل قانون الإعلام الجديد لعام 2025 الذي يشترط ترخيصاً للمؤثرين قبل الترويج، مع تأكيد أهمية دور المدرسة والأسرة في توجيه الأبناء نحو أنشطة ذات قيمة.
تطبيقات «الكنترول» الأبوي هي الحل
يؤكد محمود أبو الفتوح أن تطبيقات الرقابة الأبوية لم تعد رفاهية بل ضرورة لحماية الأبناء من المخاطر الرقمية، حيث تسمح بإغلاق المواقع غير الملائمة وتحديد ساعات الاستخدام وحصر التطبيقات المسموح بها ومراقبة نوعية المحتوى.
ويضيف أن هذه الأدوات فعالة في الحد من تقليد الترندات والتحديات الخطرة حتى سن 16 عاماً، مع ضرورة الدمج بين الحلول التقنية والحوار الأسري المستمر لشرح المخاطر وبناء وعياً يحمي الأبناء من الانجراف وراء المحتوى العابر.
استطلاع «البيان»
يكشف استطلاع رأي أن 80.7% من المشاركين يؤكدون غياب التوعية الرقمية الكافية لدى أبنائهم، مقابل 19.3% يقولون بأن التوعية موجودة، وشارك في الاستطلاع 57 شخصاً.
ويرى المستجيبون أن غياب التوعية يعزى إلى انشغال الأسر وقلة المعرفة بمخاطر المحتوى المتغير، ويطالبون بزيادة دور المدرسة في التوعية الرقمية من خلال ورش وبرامج متواكبة مع الواقع الرقمي.








