تشير التوقعات إلى تحول ديموغرافي عالمي يجعل الشيخوخة رافداً اقتصادياً واجتماعياً عندما تستغل خبرات المتقاعدين وتدمج في سوق العمل والمجتمع.
يتوقع العالم أن يضم أكثر من 2.1 مليار شخص يبلغون 65 عاماً فأكثر بحلول عام 2050، وتؤكد أبحاث أن الدول التي تعيد توظيف كبار السن وتستثمر في «اقتصاد الفضة» تحقق نمواً أسرع واستقراراً أكبر.
الإمارات كنموذج عربي ملهم
تضع الإمارات كبار المواطنين في قلب التنمية وتعيد صياغة الشيخوخة من خلال مبادرات ملهمة، ومنها سياسات رعاية وتمكين المسنين ودمجهم في العمل والمجتمع ليصبح التقاعد بداية لعطاء مستمر، لا نهاية له.
تعمل الإمارات على مشاريع وبرامج تدعم وجود المسن في بيئة فعالة ومتواصلة، مثل مبادرة تشجع الأسر على إبقاء كبارها ضمن أطر نشطة وتطوعية، ومشروعات تتيح للمتقاعدين نقل خبراتهم إلى الأجيال الشابة عبر ورش تدريب وتطوع في المدارس والجهات التعليمية، وتفعيل نادي ذخر في دبي ليشمل أنشطة ثقافية واجتماعية وصحية.
وتسعى فرق طبية واجتماعية إلى تمكين كبار المواطنين من الحفاظ على الصحة الذهنية والجسدية، ونشر مفهوم الشيخوخة الصحية، مع تشجيع العمل التطوعي والعمل بدوام جزئي ونقل الخبرات إلى مؤسسات تعليمية، ليصبح المسن في الإمارات مرحلة إنتاج وعطاء وليس مجرد رعاية.
رؤية الخبراء وتوصياتهم
يرى الخبراء والمتخصصون والمتقاعدون أن الأرقام لا تعني العبء، بل تمثل طاقة بشرية مخضرمة يمكن تحويلها إلى رافد اقتصادي واجتماعي، بشرط أن تتحول السياسات نحو التمكين بدلاً من الإقصاء.
يؤكد تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2024 أن الاقتصادات التي تستثمر في دمج المسنين في القوى العاملة تحقق نمواً أسرع واستقراراً أكبر، كما يقترحون إنشاء جهة متخصصة تمكّن كبار المواطنين وتستفيد من قدراتهم وخبراتهم، وتبتعد عن إقامة أندية ترفيهية فقط، لتكون فئةاً منتجة ومؤثرة في المجتمع.
تبرز جهود الإمارات كبيئة فاعلة للشيخوخة
تُعد مبادرتا «بركة دارك» و«الخبرة وطن» أمثلة على تمكين المسنين من البقاء في بيئة فاعلة، ونقل خبراتهم إلى الأجيال الجديدة من خلال برامج تدريب وتطوع، كما يعزز مشروع نادي ذخر تواصل كبار المواطنين مع المجتمع وتحسين جودة حياتهم عبر أنشطة ثقافية واجتماعية وصحية، مع تعزيز رفاهيتهم وتوظيف خبراتهم في خدمة المجتمع.
وتؤكد جمعية الإمارات لطب المسنين أن الشيخوخة ليست مرضاً بل مرحلة طبيعية يمكن أن تزدهر بالعطاء إذا وجدت البيئة الداعمة، مع الإشارة إلى أمراض مثل الاكتئاب والزهايمر وتأثير نمط الحياة على الصحة وتكاليفها العالية، مشددة على أن كبار السن ليسوا عبئاً بل ذاكرة الأمة وروحها.
نماذج مضيئة ورواد في المجال
يشدد القادة والخبراء في المجتمع العربي على أهمية الانتقال من الرعاية إلى التمكين، فالمسنون يملكون خبرات تراكمية وثروات معرفية يمكن استثمارها كمرشدين ومدربين ومستشارين مهنيين، ما يخلق جيلاً أكثر نضجاً واستقراراً.
يؤكد قادة جامعيون وخبراء نفسيون أن التقاعد ليس انسحاباً من الحياة، بل تحول في الدور، كما يحدث في اليابان حيث يعمل كثيرون فوق السبعين في أعمال مرنة وتطوعية؛ فالمسن في هذه الرؤية حامي الذاكرة الوطنية وصانع المستقبل.
اقتصاد الفضة كفرصة للنمو والإبداع
يؤكد خبراء اقتصاديون أن الشيخوخة تمثل فرصة ذهبية لتعزيز الإنتاجية من خلال الاستثمار في التكنولوجيا الحيوية ومكافحة الشيخوخة، ما قد يرفع من متوسط العمر المتوقع ويتيح للمسنين البقاء في سوق العمل بفعالية أكبر، ويقلل العبء الاقتصادي لرعاية المسنين عبر تحويلهم إلى عناصر إنتاجية أقوى في الاقتصاد.
توضح الأبحاث أن قطاع الاقتصاد الفضي يشمل الرعاية الصحية والتقنيات المساعدة والمنتجات والخدمات الموجهة لكبار السن، كما يشمل السياحة والثقافة، وهو قطاع يقدِّر بمئات المليارات عالمياً، ما يحفز الشركات على التكيف مع هذه التحولات وتوسيع أدوار المسنين في الإنتاج والابتكار.
تشير الصورة العامة إلى أن العمر ليس نهايةً للقدرة الإبداعية، بل بداية لمرحلة جديدة من العطاء والإنتاج إذا توافرت البيئة والدعم المناسبان. وبتضافر الجهود الوطنية والتعاون المجتمعي وتبني نماذج إقليمية وعالمية ناجحة، يمكن تحويل الشيخوخة إلى رافد مستدام للنمو والرفاهية للجميع.








