مُحتشِمة : صِفة او كلمة مشتقة من مصطلح (الحشمة) كُلَما ذُكرت لم يخطر في مُخَيلاتِنا الا تلك المرأة المغلفة كالهدية الجميلة، تستر جميع أعضائها بالعباءة، وشعرها بالحجاب، ووجهها بالنقاب، ولا يظهر منها إلا عيناها، فلنكن صريحين لم يخطر في بالكم الا جميع الذي ذكرته ولكن هناك فئة محدودة لن اظلمها؛ تعلم جيداً بأن الحشمة لا تتركز على اللباس والمظهر الخارجي بل تبدأ من الداخل أولاً.
فالحشمة ليست فقط تغليف الجسد بقطع من القماش، الحشمة معنى اكبر من ذلك بكثير، يجهله البعض، فالحشمة في المعجم العربي تعني المحافظة بالقول والفعل اي بتجنب اقتراف المرذول من العمل ولا النطق الفاحش البذيء من القول كالقذف والشتم والنميمة والغيبة والخ…
ولكن للأسف مجتمعنا مليئ بالمغالطات الفكرية والربط الخاطىء بين طلبات المجتمع والإرشادات الدينية فيحرص البعض على اجبار نسائهن بالإحتشام الخارجي “باللباس فقط” خوفاً من (كلام الناس) “ايش يقولوا الناس علينا بنات فلان لبسهم كذا” أو حفاظاً على السمعة (بين الناس) أو قد تكون أحياناً من باب الغيرة الشديدة على المرأة (من الناس) التي تصبح غير منطقية ومقرفة عندما تتجاوز الحد المطلوب ، نعم كل شيء لهؤلاء (الناس)! ،لا طاعةً لله ولا احتراماً للدين والعياذ بالله، بعيداً عن كل هذا الأسلوب السردي.
سأروي لكم قصة جميلة استوحيتها من الواقع ولكن وضعت القليل جداً من بهاراتي الخاصة لتصبح اكثر لِذة…، اغمِضوا أعينكم وتخيلوا معي..
كان يا مكان في حديث الزمان كانت هناك امرأة تدعى حرير واُخرى تدعى سعير، سأبدأ لكم بحرير امرأة محتشمة “شكلياً” تخفي جسدها بالعباءة والخمار ووجهها بالنقاب؛ ترعرعت بين أحضان عائلة محافظة ماشاءالله “شكلياً” ولكن للأسف لم تكتمل تلك المحافظة والحشمة في القول والفعل، فكل فرد من العائلة يتنافس بحماس لأجل الفوز بجائزة (صاحب اقذر لسان و أقبح الفاظ) وايضاً جائزة (أكثر شخص يثير الفتنة) وكما نقول عامةً (اللقلقة) أو (البلبلة) أو (اللغوصة)، ولكن فلنكن موضوعيين ولا ننسى السمات الطيبة والإيجابية في تلك الأسرة، فرغم كل تلك المساوئ إلا أن كل فرد منهم يملك قلباً ابيض مليئ بالعطف والرحمة ولاسيما (حرير).
في يوم من الأيام كانت حرير تتجول في السوق بكامل حشمتها “الخارجية” فرآها رجل محترم يدعى مهند، نالت إعجابه حشمة حرير وتزوجها على سنة الله ورسوله إلى أن مرت الأيام وتفاجىء مهند بمعدن حرير المختلف تماماً عن مظهرها الخارجي ولم يتحمل الاستمرار في هذا الزواج رغم أنه من أكثر الناس صبراً ولكن انقلبت حياته إلى جحيم.
أما المرأة الأخرى (سعير) تظهر بكامل شعرها وهيئتها التي جعلتها تصنف غير محتشمة (خارجياً) ولكنها تمتلك حشمة داخلية عظيمة تجعلها تتجنب القول والفعل السيّء وتتسابق في فعل الخير ومساعدة الآخرين وحسن التعامل والرحمة والتسامح، ولكن للأسف الشديد كانت سعير تُقذف كثيراً ويُساء الظن فيها فمرة من المرات كانت (سعير) تتجول في شاطىء البحر ترتدي الـ(cropped top) وال (yoga pants) بينما كان رجل متواجداً في المكان نفسه يمارس الهرولة السريعة حول الشاطىء يُدعى خالد فعندما اقترب من المرور بقرب (سعير) استاء من مظهرها وقام بشتمها واحتقرها بنظراته المشمئزة حتى شعرت بالحزن (سعير) وطُعنت مشاعرها بسبب تصرف خالد السوقي وإهانته لها.
أكمل خالد طريقه في الهرولة متجهاً إلى البحر للسباحة واستمر في السباحة لوقت طويل حتى هاجمه الشد العضلي مهدداً حياته إلى الموت نتيجة نشاطه الحركي المتواصل مما أدى الى إجهاد العضلة، تشنج خالد في مكانه ولم يستطع بذل أي مجهود غير طلب النجدة بأعلى صوت، لم ينتبه اليه احد بينما التفتت (سعير) لتتحقق ما في الأمر حتى تفاجأت بغرق خالد وسارعت وقتها باحضار فريق النجاة والإسعافات الأولية، وبفضل من الله تمت عملية إنقاذ خالد بنجاح بجهد من فريق النجاة وبالطبع (سعير) فرغم إساءة خالد لها لم تقابله بالسيئة وهذا هو ما يحث عليه ديننا الحنيف (مقابلة السيئة بالحسنة).
بعد ان استعاد خالد كامل وعيه استيقظ و شَكَر فريق النجاة والاسعافات الأولية وبادره احد أعضاء الفريق قائلاً: لا تشكرنا بل اشكر (سعير) فلولاها بعد الله لم استطعنا ان ننقذك، رُبِط لسان خالد ولم يستطع ان ينطق بأي كلمة من شدة الخجل متأسفاً لِما اقترفه لسانه القذر، اُعجب خالد في إنسانية سعير وقلبها النقي فأقبل عليها طالباً يدها الى الزواج وعاشا حياةً مليئة بالاسقرار والسعادة، اما الضحية(مهند) فلندعو له جميعاً بأن تُطفأ نار الجحيم التي يعيش فيها، فهو الى الان يسأل الرحمة ، للأسف تجذبنا المظاهر و نجهل المعادن الا بعد ان نكتشفها ولكن دائماً (ما يصح الا الصحيح) ولا قياس للإنسان افضل من عمله، فكلنا خطائون ولكن نسعى الى الكمال ومرضاة الله عز وجل وأخيراً هنيئاً لمن اجتهد وجمع بين مظهر حرير ومعدن سعير.