الكاتب : حسام لبش
ليس غريبا أن يترجم مسلسل سوري في هذا العصر إلى اللغة الألمانية ذلك عندما يكون مخرجه قامة بصرية غاية في الرمزية مثل سمير حسين، ولا يدعو للغرابة حجم المشاهدات التي يحصدها العمل إن كان عبر شاشات العرض في التوقيت الرسمي للبث أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
أطل مسلسل “فوضى” للثلاثي الذي لطالما اجتع فإن هناك عمل اسطورة يحاكي الشارع كما هو وتكاد تخوص في عوالم الواقع ، سمير حسين مخرجاً وسامي حسن يوسف ونجيب نصير كمؤلفين للسيناريو ليضع حداً لتدهور الدراما السورية الذي طفى على السطح في سنوات الحرب التي تعصف في البلاد. فعلى مستوى الفكرة، فإن كلّ شيء في “فوضى” يمانع الفوضى ويرفضها ويدعو إلى سورية خالية من شوائب وأمراض السنوات السبع التي زلزلت البلاد والعباد وأتت على البشر والشجر والحجر. هذا في الشأن العام. لكن حتى في الجوانب ذات الحلقة الضيقة في حياة الإنسان السوري، جاء المسلسل ليكحّل العيون فنجح في تجميلها مستنداً إلى تطورات على الساحة السورية تُفائل بمستقبل قريب خالٍ من الدماء يمهّد لها العمل الجماهيري الأول في هذا الموسم ولكن كان لابد من سمير حسين وضع النقاط على الحروف ليقول من هنا نبدأ ونسعى الى نهايى الفوضى .
وفي شأن خاص وضيق جداً في يومياتنا العامة وهو الشأن العاطفي، لا يغفل سمير حسين والكاتبان الكبيران عن إفراد مساحة للغة القلب، فيقلّب دفاترنا القديمة ليستخرج منها الحب الذي عادة ما يزين حياة السوريين، فيطرح العشق السامي على أعلى مستوى في محور يتصدره نجم كبير بحجم وقيمة سلوم حداد رفقة إحدى أبرز حسناوات الشاشة السورية التي بدأ نجمها يشعّ على نحو غير مسبوق ”ندين تحسين بك”.
وبين الغرام والهيام يطل الوجه المُخرِس للقلوب والرافض لعلاقة تقيمها الأم المطلقة مدفوعا إلى ذلك بفعل التقاليد والعادات ويجسد ذلك ممثل يلعب دور ابن العاشقة وهو وجه جديد على الشاشة فيقدمه سمير حسين بصورة الفنان الذي أمضى عشر سنوات في دراما الهم والاهتمام والحضور والغياب.
كل شيء في فوضى يمنع الفوضى، إن على صعيد الفكرة أو الإخراج أو النص، ناهيك عن الموسيقى التصويرية وسائر الفنيين في هذا المسلسل الذي أجزم بأن جوائز عديدة تنتظره في عديد المهرجانات الإقليمية والدولية.
اخيرا وليس اخرا اطل علينا كل فنان يجسد ويحاكي شخصيته مهما كبرت او صغرت كنجم يتربع ضمن مساحته فلا يقبل سمير حسين ان يظهر فنان في مربعه الصغير الا لينجز ما عليه بصورة حقيقة احترافية وهذا ما يجعل مخرج فوضى مغلقاً باب الفوضى التي تعم الدراما السورية عبر سنوات عجاف انهكتنا بدخلاء المهنة .
كما لن ننسى توأمة فادي صبيح وعبد المنعم عمايري اللذان مررا كوميديا سوداء تعج بالعشوائية التي تسيطر على المشهد ببراعة الممثل مع التزام كم منهما في مكانه بعيداً عن حالة الاستعراض التي تشتت فكرة النص مما تبقي المشاهد يعيش عميقا في عوالم تلك الشخصيات لنرى واقعاَ ملوننا بالوان الأسود والرمادي باحثاً عن بصيص اللون الأبيض .
اكرر ، نعم، فعندما يترجم مسلسل سوري إلى إحدى اللغات الأوروبية فهذا يعني أنه استطاع الخروج من الثوب المحلي وقدّم أفكاراً تساعد حتى الأوروبيين على طرح بعض الأسئلة عن يومياتهم واستنباط الإجابات من ذكاء المشاهد، الأمر الذي يطرحه ثلاثي فوضى الهادئ “حسين، يوسف، نصير”.