خاص – الإمارات نيوز
وسط حالة الركود التي تعمّ المشهد الثقافي العربي، ووسط تراجع اهتمام الجمهور بالشّعر، قرر مجموعة من الشّعراء الجزائريين أن يشعلوا فتيل الثورة على سلطة الصمت، وأن يعلنوا عن انطلاق حركة شعرية جديدة تسمى (فاي)، وهو يعني النسبة الذهبية 1.618 والتي تعدّ معجزة رياضية تحدد مفاهيم الجمال في الهندسة والفن والعمارة وحتى في المخلوقات وفي تكوين جسم الانسان.
وقد جاء اختيار هذا الاسم لأنه مرتبط بمتتالية العالم الرياضي الشهير ليونارد فيبوناتشي الذي درس النظام العددي العربي في الجزائر قبل حوالي 800 سنة ، اضافة إلى وجوده في شكل النجمة الموجود على العلم الجزائري، كما أنه يعبر تماما عن أهداف وآراء هذه الحركة الشّعرية الشّابة والمتمثلة في السعي إلى الجمال النصي، بل وحرص أعضاء (فاي) أن تكون انطلاقتها في اليوم الموافق لهذا الرقم تاريخيا وهو (1.6.18) كنوع من التأكيد على رمزيته.
وتركز حركة (فاي) على النزعة الإنسانية الواسعة التي يفترض على الشّعر أن يتحلى بها، حيث تعلن عن نفسها بوصفها مبادرة مستقلة حرة وغير تابعة لأي جهة، وترفض أي اصطفاف اديولوجي من أي نوع، فهم يريدون توحيد الجهود من أجل خدمة الشّعر والجمال فقط، كما يرفضون كل ظواهر الرداءة وكل مسبباتها، ويسعون إلى بناء جسور على أكثر من صعيد، بين اللغة العربية والشارع في ظل تراجعها، وبين الشّعر والجمهور الذي يعزف عنه، وبين الشّعر والنقد الذي لا يواكبه، وبين التجربة الأدبية الجزائرية والعالم العربي الذي لا يعرف عنها سوى القليل، ثم بين الشعر العربي والعالم كله.
وستعتمد فاي على نفسها وعلى إمكانياتها لصناعة هذا الحلم الذي يبدو كبيرا، حيث ستركز على الترجمات والإعلام وتسويق المنتج الأدبي، إضافة إلى إعادة تحريك الآلة النقدية من خلال التواصل الدائم بينها وبين الآلة النقدية العربية.
وحول هذا الحلم وتحدياته قالت الدكتورة حنين عمر في تصريح خاص للإمارات نيوز: “الحلم حق مشروع لأي شخص، ما دام هذا الحلم لا يتعارض مع القيم الأخلاقية والإنسانية، وأعتقد أن سبب تخلفنا في العالم العربي هو أننا لا نحلم بسبب الإحباط وقسوة الواقع وتحطيمه اليومي لكثير من مراكب الآمال على شواطئه الصخرية، ونحن لسنا أقل ألما من هؤلاء المحبيطن ولكن الفرق فقط هو أننا قررنا أن نعمل رغم ذلك وأن نتحدى أمواج اليأس، إنني أؤمن أن كل الانجازات العظيمة في هذا العالم قام بها أناس حلموا بها وناضلوا من أجل تحقيقها، لذا لا يجب أن نستهين بقوة الحلم وبقدرة الإرادة على دفع المراكب في العواصف، والأهم هو أن نتوقف عن اعتبار أنفسنا عاجزين، فيمكن للمعجزات أن تولد من الصفر طالما هناك من يسعى ويعمل ويؤمن، و(فاي) هي حلم مجموعة من الشباب الذين قرروا أن يعملوا معا وأن يؤمنوا بنفس الفكرة وأن يرفعوا أشرعتهم ويحاولوا الوصول بعيدا، وهذا من حقهم مهما كانت أهدافهم كبيرة، يبقى فقط عليهم أن يواصلوا التجديف وألا يلتفتوا أبدا إلى الوراء”.
أما الشّاعر عبد الغني بلخيري فقال في تصريحه الخاص: “الفكرة والمرحلة والرؤية كلها تحتاج إلى النسبة الذهبية لذلك كانت فاي ولذلك نسعى أن تكون رائدة بالعمل لا بالكلام، وآمل أنها ستكون أنضج حراك شبابي في الساحة الأدبية، إنني أعتبرها نبوءة شعرية جديدة تبتعد عن المهاترات والتفاهات وتنتصر للتجربة الجمالية وتنوء عن كل الترهل الثقافي الذي أصاب الساحة، عني سأحاول بكل ما لدي أن أعلي التجربة وأن أخوض غمارها من أجل الجودة بأسلوب علمي وفكري وفني ناضج، وأعتقد أن جميع أعضاء (فاي) يملكون هذا الوعي الجميل ويسعون إلى نفس الغاية النبيلة”.
أما الشّارع رضا بورابعة فقد ركز على اهتمام فاي بتحفيز النقد البناء وإعادة ربطه بالشّعر قائلا : ” فكرة فاي كانت ضرورة ملّحة لتسجيل ظهور جيل جديد قادر على حمل التّحديات وصناعة مشهد خاص به، كما أنّ الجميل في (فاي) أنّها تولي أهمية كبرى للنقد وأن طموح الشّباب وتمردهم يمتزج بالوعي والجدية ويصر على التواصل مع النّقد بصفته محركا أساسيا في العملية الإبداعية ومن دونه لا يمكن القاء الضوء على التّجارب بشكل دقيق أو تحليل المسارات الزمنية التي يمر بها الشعر العربي، وشخصيا كانت هذه الفكرة بالنّسبة لي خلاصا من ميراث ثقيل من الفوضى والعشوائية التي نعيشها في المشهد الجزائري والعربي، وبداية جديدة بالاعتماد على معطيات ونظام وأهداف ورؤى واضحة، تبحث عن أفق حقيقي وعن نص حقيقي بعيدا عن تكريس الرداءة بكل أشكالها وإعادة إنتاجها محليّا”.
من جهته قال الشّارع عبد القادر العربي : “كان لا بد من ضم الأصوات الطامحة لإعادة تأثيث المشهد الأدبي وترجيح الاحتراف وتحمّل مسؤولية خلق وعي إنساني من خلال الكتابة، فاي هي نضال ضد هشاشة الزمن لاستعادة قيمة الإنسان”
و يبلغ عدد شعراء (فاي) عشرين شاعرا جميعهم أقل من أربعين عاما، تم الإعلان عنهم بالتّرتيب الأبجدي كالتالي :أسامة رزايقية، أسامة كاسح، آمنة حزمون، آمنة محمد بلعربي، آية سابت، بشير ميلودي، حسناء بروش، حمزة العلوي، حنين عمر، رابح فلاح، ربيع السبتي، رضا بورابعة، سمية دويفي، عبد الغني بلخيري، عبد القادر العربي، عبد الوهاب بوشنة، عقبة مازوزي، عمر عميرات، محمد دوبال، موسى براهيمي.