رئيس التحرير: حسام حسين لبش
مدير التحرير: علي عجمي

في الذكرى الأولى لوفاته.. والدا رضيع يرويان تفاصيل تنفيذ قرار المحكمة بقتله

شارك

ميادة السيد 

“ابننا الصغير الجميل توفي، نحن فخورون بك يا شارلي”، كانت تلك الكلمات هي الجملة التي نعى بها والدا الطفل شارلي جارد طفلهما بعد وفاته، بعد عام قضاه في محاربة الموت، ولم يدركا أن هذا الفخر سيمتزج بالشعور بالندم في الذكرى الأولى لوفاته.

رحل الطفل شارلي جارد وعمره 11 شهرا و24 يوما، أي قبل أسبوع واحد فقط من احتفاله بعيد ميلاده الأول، لم يعش الطفل طويلا ولكنه كان سبب لألم وحزن الكثير من القلوب التي علمت بقصته خلال حياته، وحتى بعد وفاته التي كانت أمام أنظار والديه.

ولد شارلي في عام 2016، واكتشف الأطباء عقب ولادته أنه يعاني من مرض جيني نادر، يجعله عاجزا عن الحركة أو التنفس بشكل طبيعي كغيره من الأطفال، واضطره للبقاء على أجهزة التنفس والإعاشة الصناعية.

فترة قصيرة عاشها الرضيع، ولكنه استطاع خلالها أن يجعل اسمه يتردد على ألسنة الكثيرين حتى رؤساء الدول، فاتخاذ مستشفى جريت أورموند ستريت التي أشرفت على علاجه قرارًا إزالة أجهزة الإعاشة عنه، ورفض والديه كريس جارج وكوني ييتس الأمر، دفع الكثير من الجماعات الحقوقية البريطانية والأمريكية للتدخل، وتأكيد ضرورة احترام رغبة والدي الطفل.

طرقت عائلة شارلي كل الأبواب التي يمكنها أن تنقذ طفلهم، ومن بين تلك الأبواب كان باب الطبيب الأمريكي ميشيو هيرانو، والذي أكد لهم أنه سيجري علاجا تجريبيا له.

سعدت أسرة الطفل بعلاج الطبيب الأمريكي التجريبي، وأسرعت على الفور إلى فتح صفحة على الإنترنت لجمع تبرعات تكفي لعلاج الطفل، ونجحوا بالفعل في جمع مبلغ 1.5 مليون دولار.

 اشتعلت حرب قضائية بين الأطباء البريطانيين وأسرة الطفل، فالأطباء مصرون على رفع الأجهزة عن الطفل، ووالداه يرفضان الأمر، مما دفعهما للجوء إلى المحكمة العليا في بريطانيا، والتي أصدرت حكمها برفع الأجهزة عن الطفل.

لم يفقد والدا الطفل الأمل وتقدما بالتماس إلى المحكمة ولكنها رفضت العدول عن قرارها، فلم يجد والدا الطفل حلا أمامهما سوى اللجوء إلى المحكمة الأوروبية، والتي قضت بإبقاء الطفل على الأجهزة فترة مبدئية حتى 19 يونيو من عام 2017 .

انتهت المهلة المبدئية التي حددتها المحكمة الأوروبية دون تقدم إيجابي ملحوظ في حالة الطفل الصحية مما زاد الأمر سوءا، فبدأ الكثيرون في التعاطف معه، ومنهم بابا الفاتيكان، والذي أعلن يوم الثاني من يوليو عن استعداد دولته لاستقبال الطفل في مستشفى متخصص بعلاج الأطفال.

كما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الثالث من يوليو، هو الآخر عن استعداد بلاده لمساعدة الطفل، وعن استعداده الشخصي لمناقشة قضيته رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي، على هامش قمة العشرين، كما أعلن مركز جامعة كولومبيا الطبي في نيويورك، استعداده لاستقبال الطفل أو توفير العلاج التجريبي للمستشفى التي يعالج بها، كما تقدم عضوان في مجلس النواب الأمريكي بمشروع قانون يطالبان خلاله بمنح الطفل ووالديه حق الإقامة حتى يتسنى علاجه.

وبالرغم من كل هذا التعاطف ظل المستشفى البريطاني مصرا على رفع الأجهزة عن شارلي، فبدأ والداه يوم التاسع من يوليو، في الحصول على توقيعات الأشخاص المتعاطفون معه ليقدموها إلى المستشفى حتى تسمح بتجربة العلاج الجديد عليه، ونجحوا في جمع 350 ألف توقيع.

وجدت عائلة الطفل أدلة حول حالة طفلها، تؤكد أنه من الممكن علاجه، فعادوا إلى المحكمة العليا البريطانية من جديد يوم العاشر من يوليو، على أمل اتخاذها قرار إبقاء الأجهزة عليه.

مثل والدا الطفل أمام المحكمة يوم الثالث عشر من يوليو، وقدموا أدلة علاج طفلهم، وذلك وسط مخاوفهم، وخاصة بعدما علموا أن المحامي المعين لتمثيل ابنهما في المحكمة يرأس جمعية خيرية لدعم الموت الرحيم.

أمرت المحكمة باستدعاء الطبيب الذي أكد وجود علاج للطفل تصل نسبة نجاحه إلى 56%، ليصل بالفعل إلى بريطانيا، ويتوجه إلى المستشفى الذي يتعالج فيه الطفل، لمعرفة مدى قدرة العلاج الذي يعمل عليه على شفاءه.

أظهرت أشعة التصوير المغناطيسي للأنسجة العضلية للطفل تدهور حالته في الأسابيع الأخيرة، مما يعني أنه لن يستجيب للعلاج ، لتنقلب موازين قضية الطفل رأسا على عقب، لتقف والدته التي طالما حاربت لإبقائه على قيد الحياة أمام المحكمة وتعلن أمام الجميع رغبتها في إزالة أجهزة الإعاشة عنه، وتركه يواجه مصير الموت.

وأكدت والدة الطفل خلال حديثها أمام المحكمة أن الأطباء هم سبب وفاة طفلها وليس مرضه، وذلك لرفضهم السماح له بالسفر إلى الولايات المتحدة للحصول على العلاج التجريبي، واستمرار هذا الرفض حتى بات العلاج لا يجدي نفعا معه.

قررت المحكمة تنفيذ رغبة والدي الطفل وإزالة الأجهزة عنه، ليتم نقله إلى مصحة هوسبايس، والتي يعالج بها الحالات الميؤوس منها، حيث تم بها إزالة أجهزة الإعاشة عنه، ليرحل الطفل قبل أسبوع واحد عن ذكرى ميلاده الأولى، ولكن برحيله هذا منح الحياة لآلاف الأطفال المرضى والذين سيتلقون العلاج بالأموال التي سبق وجمعتها أسرته لعلاجه.

مر عام على وفاة الطفل، ولكن ذكراه ظلت في قلب وعقل أسرته، والتي أجرت صحيفة ديلي ميل البريطانية لقاء معهم في الذكرى الأولى لوفاته، حيث أكدا والديه أن وفاة طفلهما المأساوية ستطاردهما إلى الأبد.

وأكد والدا الطفل شارلي إنهما يشعران بالذنب، وإن القرار المؤلم بإزالة أجهزة دعم الحياة عن طفلهما سيطاردهما إلى الأبد.

قال كريس جارد، البالغ من العمر 34 عاما، :” أشعر بالذنب الشديد، وسيتعين علي أن أعيش طوال حياتي مع سؤال “ماذا لو؟” قرار إزالة جهاز التنفس الصناعي عن طفلي مازال يطاردني”.

وأضاف “كنا في غرفة وقالت سيدة لقد حان الوقت للذهاب الآن، وبدأت في إزالة جهاز التنفس عن طفلي، لقد تركتها تخرج أنبوب التنفس منه، حتى أنني لم أفعل شيئا حيال ذلك، أشعر بالذنب لأنني لم أتمكن من حمايته، أشعر وكأننا فشلنا”.

انخرطا والدا الطفل مؤخرا في القيام بحملات من أجل قانون شارلي، هذا القانون الذي يأملا من خلاله أن تمنح العائلات المزيد من الحقوق فيما يحدث لأطفالهم المرضى.

وأضاف والد الطفل “لا أريد أن يمر أي شخص بما مررنا به، فأنا لا أستطيع حتى أن أصف ما مررت به بالكلمات، من مدى صعوبته، إذا تمكنا من منع حدوث ذلك مع أشخاص آخرين في المستقبل، فأستطيع أن أستريح”

وتابع “شارلي أحدث فرقا يلهمني لبقية حياتي، فلا يهم الوقت لذي عشناه على هذه الأرض، فإذا استطعت أن أحدث فرقا وحققت تأثيرا مثلما فعل شارلي، سأموت سعيدا”.

وأوضح أن قانون شارلي الذي يسعيان لتطبيقه لا يتعلق بإعطاء الآباء 100٪ من القرارات الطبية الخاصة بأطفالهم لأن ذلك لن ينجح ، ولكن القانون يسعى لإعطاء الوالدين الحق في اتخاذ القرارات بخصوصه.

وأردف “كان لدينا فريق من الأطباء، كانوا مستعدين لعلاج شارلي، ولكننا لم يسمح لنا بأخذه، بالرغم من أن هذا العلاج لم يكن له أي آثار جانبية، كما أنه لم يكن ليسبب له ضررًا كبيرًا، ولذا كان ينبغي أن يكون لدينا الحق في أخذ ابننا من مستشفى مشهور عالمياً إلى آخر”.

وفي حديثه عن حفل زفافه القادم مع والدة شارلي، قال كريس: “لقد كان أروع يوم في حياتنا اليوم الذي ولد فيه شارلي، وكان أكثر وقت تقربنا فيه من بعضنا، كما أننا حافظنا على تماسكنا في أسوأ يوم مررنا به في حياتنا، وهو اليوم الذي مات فيه، ولذا لن يكون حفل زواجنا رائعا، وسيكون مشوبا بالحزن لأن شارلي لن يكون هناك”.

ولفت إلى أنهم يأملون أن يكون لديهما طفلا آخر في يوم ما، فهم يحبون أن يمنحون شارلي أخا أو شقيقة صغيرة، لإخبارهم عن الأسطورة الصغيرة التي كان يمثلها أخوهم”.

مقالات ذات صلة