في زحمة الحياة الخارجية لابدّ من مساحة هدوء داخلية داخل المنزل حيث يستطيع الإنسان الانفصال عن العالم الخارجي وسط نقاء وصفاء في الألوان وراحة تامة، وتعمل الألوان المنعشة داخل المنزل علي مد الإنسان بالطاقة والحيوية فالألوان ليست مجرد عناصر يستدعيها المشهد الزخرفي بل هي تتجاوز مفهوم الزخرفة والتزيين لتتصل بالشخصية والسلوك وفي الدرجة الأولى علاقتها الوثيقة بالمزاج العام للإنسان، حيث تتدخل الألوان المنعشة في نسجها عدة عوامل أخري فهي التي تحدد الميول وتبلور الذائقة وتجسّد الرغبات وتشير إلى الاهتمامات بكل مراتبها، وتعمل طبيعة الألوان علي نسج غموض حول الديكور حيث تخلق الألوان للمهتمين بمجال الديكور والزخرفة آفاقاً معرفية أساسية لخلق الأجواء والفضاءات المطلوبة كذلك لتحقيق التميّز والتمايز في داخل تزداد تعقيداته باطراد مع تعقيدات الحياة المعاصرة.
ويري علماء النفس أن الألوان لها دور كبير في التحكم بالحالة النفسية للفرد والمجتمع حيث يتجاوز دورها عملية التواصل البصري مع محيطنا الداخلي والخارجي بكل موجوداته وتفاصيله ليتسلل إلى أعماقنا ويعقد معها صلة سرّية يصعب تحديد ماهيتها غير أن تعبيراتها تتجسد في كل خياراتنا الخاصة والعامة، وتوجد علاقة وثيقة بين الألوان والسلوك الإنساني تطرح مجموعة من الأسئلة الإجابة عليها تتطلب استدعاء الكثير من العلوم الإنسانية والنظريات التي تؤسّس لها ولكن السؤال الأكثر بساطةً هنا ينطلق من حتمية التأثير والتأثر: هل السلوك الإنساني هو الذي يتأثر بالألوان أم أن الألوان هي نتيجة تفاعلات لهذا السلوك؟
نحن حين نختار الألوان لداخل بيوتنا لا نفكر كثيراً بالخلفيات العلمية لهذه الخيارات وإنما تنحصر العملية في استشارة مشاعرنا وأحاسيسنا وما يتوافق مع ميولنا ورغباتنا، ولكن مسألة التعامل مع الألوان ليست بسيطة هكذا فلها أبعاد نفسية وجمالية وتتطلب مهارة متميزة فمهنة الديكور تُعنى بخلق أجواء وصوغ فضاءات وابتكار وسائل ووسائط تهدف إلى تأمين الراحة والرفاهية من خلال التوازن والتناغم والانسجام بين كل التنسيقات التي تحيط بنا في الداخل، والألوان تكمل جمالية أي ديكور وحضور الألوان ينبغي أن يكون خاضعاً لمعايير وأحكام وقواعد تمنح اللون فعاليته المطلوبة.
إن أبعاد المكان ومساحاته وأشكال الأثاث والإكسسوارات وأحجامها كلها عناصر تتحكم في الخيارات اللونية غير أن الألوان في هذا السياق ليست مجرد عنصر إضافي بل هي في كثير من الأحيان تعمل على تلطيف المكان ومساحاته عبر دلالاتها وتأويلاتها وكما تساهم الألوان في التوزيع العادل بين أشكال الأثاث والإكسسوارات وأحجامها، وحين نتحدث عن لغة الألوان نجدها كغيرها من اللغات تمتلك خصائصها من الدلالات والمعاني والتفسيرات ولكنها تتعدّى اللغات “التقليدية” في كون هذه الخصائص تمس مناطق خفية في شخصية الإنسان وتؤثر في مكوناتها ومكنوناتها. إنها نتيجة حوار دائم بين الحسي والمتخيّل.
ومفردات مثل متناغمة، أو صادمة، متباعدة، أو متقاربة، هادئة، أو صاخبة، حارّة، أو باردة، بسيطة، أو معقدة، مرحة، أو رصينة، هي مفردات لا يمكن استخدامها كلها مع لغة مغايرة للغة اللون، من هنا يصبح للألوان الحارّة والباردة مفهوم آخر.