الإمارات نيوز – ولاء عمر
المخرج السينمائي هو المايسترو الذي يقود ملحمة الإبداع فهو المحرك لتروس عملية صناعة الفيلم بشكل متناغم ومتناسب مع بعضه البعض، فهو يجمعها من شتاتها ويقدمها للمشاهد في قالب فني متسق يعرض حكاية لها رؤية وحبكة، ويصنع من الخيال شريطًا سينمائيًا مبهًرا.
جود سعيد هو مخرج ومؤلف سوري يحمل شهادة الماجستير في الإخراج السينمائي من جامعة لويس لوميير في ليون بفرنسا، وهو يعتبر واحد من أهم المخرجين بتاريخ السينما السورية والعربية في العصر الحالي، ويملك برصيده العديد من الأفلام المهمة والناجحة والتي رصدت بشكل واقعي وإنساني الأزمة التي تشهدها سوريا حاليًا.
ولقد كانت بداية جود مع فيلم قصير بعنوان “مونولوج” وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وذلك بعام 2007 وحصد به جود فضية مهرجان دمشق السينمائي الدولي، وأنجز بعده مع المؤسسة ذاتها فيلمًا روائيًا قصيرًا بعنوان “وداعًا” وذلك بعام 2008، وبنفس العام قدم أيضًا فيلم “خبرني ياطير”.
وشهد عام 2009 بداية سعيد مع أول فيلم روائي له وهو فيلم “مرة أخرى” ليتبعه بعد ذلك بفيلم “صديقي الأخير” عام 2012، والذي بذل فيه جهدًا استثنائيًا لرسم ملامح الشخصيات بداخل فيلمه مما ساهم في خلق حالة من الإبداع الفني، أعقبه بعد ذلك بفيلم “بانتظار الخريف” والذي نال عنه جائزة أفضل فيلم بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي بمسابقة آفاق السينما العربية.
ويأتي المخرج السوري الشاب لفيلم “مطر حمص” وهو فيلم يناقش قضية سياسية بالدرجة الأولى ولكن من منظور إنساني بحت، وكعادة جود بأفلامه فهو يبحث دائمًا داخل الذات البشرية بكل تناقضاتها وهو ما ظهر جليًا بمطر حمص، حيث قدم المأساة السورية ملخصة داخل حي بمدينة حمص القديمة، فلقد أراد أن يطرح واقع الوضع السوري في إطار من الكوميديا السوداء.
ولكن مع مطر حمص وجد جود سعيد نفسه في حالة حرب عنيفة وشرسة، وهي ليست حرب فنية فقط كما هو الحال بين المبدعين ولكن أنقلب الوضع ليدخل جود بفيلمه للمعترك السياسي العالمي حول الأزمة السورية، ومابين مؤيد ومعارض خاض الفيلم صراع كبير مع جهات متعددة وصلت لحد منعه من الحصول على جائزة مستحقة بمهرجان قرطاج السينمائي2017.
ولكن في ظل الحرب والمعاناة تطل علينا بسمة أمل تعوض كل هذا الدمار وهو ما وجده جود سعيد بالجماهير الغفيرة التي اصطفت أمام السينما لتشاهد فيلمه سواء بمهرجاني قرطاج أو القاهرة السينمائي 2017 ، وهو ما عوضه عن الهجوم الكبير والظلم الذي تعرض له لأهداف سياسية.
ويستمر الحال مع جود بفيلمه “رجل وثلاثة أيام” والذي لاقى إشادات نقدية واسعة حين عرض بمهرجان الإسكندرية السينمائي 2017، ونال عنه بطل الفيلم النجم السوري محمد الأحمد جائزة عمر الشريف لأفضل ممثل بالمسابقة الرسمية للمهرجان، إلا أن الفيلم وجد نفسه بحرب سياسية من الدرجة الأولى حين تم منع عرضه بمهرجان السينما العربية بباريس قبل الافتتاح بساعات قليلة.
ولكن الحظ يبتسم لجود وينصفه بمهرجان قرطاج السينمائي هذا العام ليحصد فيلمه “مسافرو حرب” أربع جوائز وهما “جائزة الجمهور (تانيت الجمهور) ، جائزة أفضل صورة ، جائزة التانيت البرونزي” محققًا إنجازًا جديدًا للسينما السورية بالمحافل الدولية، بالإضافة لجائزة فيبرسي التي حصدها عشية الختام ضمن حفل الجوائز الموازية، لتأتي تلك الجوائز لتعويض سعيد عن الظلم الذي تعرضت له أعماله من قبل.
ومازال أمام جود حرب جديدة وذلك حين عرض فيلميه “درب السما” و “نجمة الصبح” وهو الذي يتناول فيه قضية المخطوفات السوريات لدى تنظيم داعش الإرهابي في قصة واقعية حدثت عام 2013 ولكن يقدمها جود بمنظور إنساني مختلف، فهو هنا يقدم الواقع في إطار من الخيال الإفتراضي كطريقة لتحايل على الواقع المأساوي بتناول مختلف يدخل بعمق داخل الإنسان السوري وسط كل ما يعانيه من ويلات الحرب والدمار والظلم.
ومما لاشك فيه أن جود سعيد يعتبر واحد من أهم النماذج السينمائية بعالمنا العربي بل بالعالم أجمع فهو مخرج شاب حمل على عاتقه أزمة وطنه لتكون ملازمة له بكل عمل يقدمه، ليجد نفسه يقاتل بكل الجبهات المختلفة معه سياسيًا وأيضًا الحاقدة عليه فنيًا وتلك التي تحاول جاهدة للتقليل من قيمة أفلامه وإنجازاته.